» تقارير
حروب القصور وانعكاساتها: كيف انقلب تجمع الفاتح على ولي العهد؟
2011-07-19 - 6:44 ص
مرآة البحرين (خاص):
بحسب ما نقلته آذان القصر الملكي لم يكن لدى رئيس الوزراء أي نية في التنحي كما كان يهتف الشعب خارج القصور، ولكن كانت لديه نية في الاستنجاد بالجار الكبير كما حدث في منتصف التسعينيات، فساذج من يحسب أن الشيخ خليفة بن سلمان يمكنه أن يستسلم بكل سهولة، فمن شهد نزاله مع الشعب في منتصف التسعينيات يمكنه أن يتحقق بروية أن ما يجري اليوم أمر بديهي درج عليه طيلة حكمه.
يحسب الأمير الكهل بأن هذه البلد قامت بساعديه وهو أولى بها من الملك وما يقوم به ولي العهد ليس إلا مشاغبات خارقة تساعد الفئة التي كان يقول دائما عنها "أنها مثل السجاد الإيراني كلما زاد _الدوس_ فوقها استوى اعوجاجها"، إنما يساهم في إعطاء حقوق لمن لا حقوق لهم فهو ينظر لهم على أنهم عبيد لا يمكنهم أخذ حقوق ليست لهم.
يبدو بأن هذا الطابع قد جبلت عليه الأسرة الحاكمة في البحرين، إذ يذكر تشارلز بلجريف في مذكراته التي تولى ترجمتها مركز البحرين لحقوق الإنسان في سبتمبر 2009، وصف العائلة الحاكمة في يومياته التي أرخها بتاريخ 21 أغسطس من عام 1926، قائلا : "أن عائلة آل خليفة هي العائلة المالكة في البحرين، بشكل مطلق وتام، فالحكومة تصرف لهم العلاوات ولا يعملون شيئا معتبرين على ما يبدو بأن القيام بأي عمل هو دون مقامهم، أنهم أناس مستبدون ومغرورون وكسالى في الغالب، يعيشون على أنهم من العائلة المالكة" انتهى الاقتباس.
هذا بالضبط ما يمكننا تلخيصه من معاناة الشعب البحريني طيلة حقبة الحكم الخليفي، بيد أن ممارسات القمع زادت سوءا في عهد رئيس الوزراء الحالي فلم يخل عقد (كل 10 سنوات) من أزمة سياسية شعبية تطالب بالحقوق منذ استلامه الحكم في مطلع السبعينيات وإلى اليوم، وطيلة هذه الفترة كان هو الحاكم الفعلي للبلاد بعد أن استطاع إزاحة أخيه الشيخ محمد إثر تقسيم الورث الأميري كما أراد الشقيق المهووس بجمع المال والعقار فكان هو الخصم القوي أمامه حينها، بخلاف أمير البلاد آنذاك الأمير الراحل عيسى بن سلمان الذي مكنه من كل شيء.
يعد جهاز "أمن الدولة" أبرز الإنجازات التي صنعها رئيس الوزراء إذ استطاع في ظل هذا القانون القمعي الإرهابي أن يحكم سيطرته على البلاد أمنيا بشكل ملفت فجعل من البحرين أشبه بثكنة عسكرية وشغل نظام الجاسوسية بشكل صارخ وفج لإرهاب الأهالي وترويعهم ليؤمن ملكه واستعان برجل المخابرات الاسكتلندي الشرس أيان هندرسون.
وفي عهد الإصلاح يبدو أنه قد استبيح ملك الأمير الهرم، فكان أول فعل يدل في هذه الاستباحة، هو إلغاء قانون أمن الدولة وجهازه، والمطالبة بمحاكمة السفاحين الذين أرهبوا الشعب وهم عبارة عن عدد من الضباط في جهاز المخابرات سيء الصيت، فقد كانوا يديرون البلد من خلال مكاتب التحقيقات في العدلية.
ولكن يبدو أن ذاكرة السمك التي يتميز بها الشعب البحريني المسالم والتي لطالما استغلها رئيس الوزراء كانت سببا للاستعداد للصفح في بادرة حسن نية للإصلاح، غير أن المماطلة كانت سيد الموقف وكما يقول القريبون من المشهد في القصر كان الحرس القديم الذي يقوده رئيس الوزراء بالمرصاد لكل تحرك وتغيير، ومن جهة أخرى بدا حلف الإخوة أكثر شرا وفتكا، فقاد الأمر إلى أن يصارع ولي العهد وحده في بناء دولة لطالما حلم بها دولة أشبه بموناكو أخرى على الخليج العربي، بقوميتها العربية المتأصلة فتبدل الحلم إلى كابوس.
المرحلة التي التقى فيها محور الشر كانت في تحريك كل الآليات لصنع رادع يشل القوة التي فاجأتهم إثر انقلاب الشارع بكل أطيافه سواء المعوزة أو المتوسطة أو حتى المقتدرة للانضمام إلى ثورة الدوار، فكل هؤلاء يفتقدون "الوطن الجميل" الذي وعدوا به منذ أكثر من عقد، فجن جنون المحور ليسارعوا لتطبيق الخطة البديلة وهي كما أسلفنا في الحلقة السابقة تحويل تقرير البندر إلى واقع، ولعل أبرز النجاحات التي لم يخطط لها إلا حينها هو تجمع الوحدة الوطنية والتي يطلق عليه بتجمع الفاتح.
يذكر بعض المقربين ان شيخ التجمع ونعني به عبداللطيف المحمود كان بارعا في الرقص على "ستيج" المسرحية الوطنية، فقد تحالف في بادئ الأمر مع ولي العهد الذي استدعاه بعد أن أشار عليه أحد مرافقيه بالاستعانة بأهل السنة المعتدلين لإرضاء الشارع السني الذي يؤجج طائفيا من خلال مرتزقة عطية الله عبر جميع الوسائل الإعلامية والتكنولوجية، وبعد أن تحالف في الخطة الإعلامية الأمنية مع الشيخ فواز الذي وجد نفسه مستهدفا من قبل المعارضة وهو ذو الخلفية العسكرية استطاع أن يقلب الإعلام بكل وسائله إلى أشبه بمخيم للأشبال والزهرات الصغار، يتم تعليمهم بعشوائية فقط لرفع وتيرة الشحن.
وفي الوقت الذي تتم الطبخة بإعداد المقادير لها كان أبرز المرشحين لتجمع سني هو جاسم السعيدي الذي صنع لتلك المرحلة، إلا أن هذا الأخير ليس لديه جمهور إلا من هم بمثل عقليته وهم من يقوم بإمامتهم ظهر كل جمعة، وهؤلاء قلة إذ إن البحرين تتسم بسلمية أهلها وطيبتهم وتآلفهم، ولم تبد النعرات إلا في عهد الإصلاح حين طرق الخطر بعض من كان يجب عليهم الخروج من اللعبة حينها.
أصبح المطلوب هو الشيخ عبدا للطيف المحمود الذي يحظى باحترام الشارع البحريني بطائفتيه، إذ يذكر له الثائرون الشباب وقفته مع زعيمهم الراحل الشيخ عبدالامير الجمري في منتصف التسعينات قبل أن يدخل في تسوية رخيصة مع الحكومة آنذاك، ويحترمه الشارع السني، اسما معتدلا مطلوبا للمرحلة الحالية التي تحتاج لتحشيد الشارع السني لا تفريقه، فكانت المساومة هذه المرة باهظة فهناك من يتكلم عن صفقة بملايين الدنانير وعقارات تم شراء ذمة المحمود بها، حتى علق أحد العارفين به ساخرا من أن المحمود اليوم بات من "مليونيرية" البحرين ويمكن ان يوضع اسمه العام المقبل، في قائمة الفوربيس لأكثر الخليجين ثراء.
الصفقة دخل فيها ثالوث محور الشر وضغط فيها الأخطبوط (عطية الله) بكل قوته الأمر الذي أثار حنق ولي العهد وكأنما تم الغدر به، فلم يتوقع من عبد اللطيف الذي كان يحسبه رجل دين "نظيف" أن يكون رأس الفتنة، الفتنة التي كان يتجنبها بمبادرة الفاتح التي كانت في الأساس فكرته.
عبد اللطيف الذي كان ينتقد "الجمع في الحكم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية" ويدين " الخلط بين الحاكم وعائلة الحاكم، وعدم وجود ضوابط لهذا التداخل، حتى أصبح أبناء وبنات عشيرة الحاكم حُكاما، وظيفتهم الرسمية أنهم من العائلة الحاكمة مهما بعُد النسب، يأخذون على هذه الوظيفة رواتب من خزانة الدولة دون أي عمل سوى الولاء للحاكم، مما أدى مع ازدياد عددهم من العشرات إلى المئات والألوف إلى ظواهر منها" انظر: د. عبداللطيف المحمود، "دور المشاركة الشعبية في صياغة القرار السياسي ومستقبل الديمقراطية في المنطقة"، ورقة مقدمة لندوة بالكويت في 1991. لقد انقلب عبداللطيف على نفسه وأخلاقه، كان وقع الغدر على ولي العهد كبيرا، إذ تم استدراج هذا التجمع لإنجاح مخطط التحشيد والطائفية التي قادت البلاد إلى حرب كادت تكون أهلية.
ولنا عودة ...