» رأي
مسيلات للدموع..محفزات للأمل
علي داوود - 2011-07-17 - 8:12 ص
علي داوود
هذا الجندي المبلل بالخوف في شوارع البحرين وحده من يحتاج إلى الدموع، إلى كمية حياء تستر عينيه الغائرتين في العتمة، فقد استنفد أخلاقه بمثل ما استنفد كل عبوات مسيلات الدموع المصروفة له حتى الساعة، دون أن ينجح في إغراق الناس في بحر دموعهم، فبعد كل عبوة غادرة يلملم المتدافعون بأجنحة الحلم شجاعتهم لامتلاك الطريق، وامتلاك الوطن الذي يستحق كل التضحيات التي مرت، والتضحيات التي ستأتي، بينما لا يعرف ذلك الجندي البليد سوى جفن قائده الذي أرسله في مهمة تشبه القصاص من آدميته.
المطبلون للسلطة لا يعرفون طعم هذا الغاز ولا لونه ولا رائحته، ولا حتى الدول المصنعة له، يعرفون فقط ساعة التبرير لعنف السلطة أن الدولة كانت تحت ظرف استثنائي، وأن كل شيء كان يوشك أن يمضي إلى الهاوية لولا لطف الغاز والدبابة والرصاص المطاطي والحي وكل بضاعة الحرب التي كانت معروضة في مواجهة الناس، فالهاوية في تعريفهم أن يمضي الناس إلى ما يشاؤون لا مايشاء السلطان، وأن يقطعوا الطريق على أسطورة العقود الأربعة التي ستدخل رئيس الوزراء موسوعة غينيس في القريب.
لم تقل كاميرا الجوال كل شيء عن ألف ليلة وليلة من حكايا الغاز المسيل للدموع في فصول المواجهة، غير أنها عبرت بنا إلى حدود الغباء الذي يدير قبضة الأمن في هذا البلد الصغير، صرنا لا نشم من على البعد رائحة الغاز فقط، بل رائحة العقول التي تفتحت على فنون البلاهة، وراحت تترك آثارها في مجريات الحدث، لتذهب به بعيداً صوب اللانهايات.
آخر لقطة عابرة لكل حدود الغباء من مشاهد مسيلات الدموع هي تلك التي جاءتنا من سترة، فيها يذبح رجل الأمن كل براءتنا ونحن نظر إليه عبر عيون الكاميرات التي لا تنام يلقي بعبوة الغاز داخل أحد المنازل، ثم يمضي بنشوة لا نعرف ما يشبهها، يصعد إلى منصة خوفه في تلك السيارات المحصنة، ويصعد بعدها الدخان، لنحسب كم عمرٍ سنحتاج لننسى، وكم مقالة فارغة سترفع عنه سلوكاً مشيناً اعتادت الدولة التجاوز عنه والقبول به.
هي صورة فاضحة لمن يشتهي الإبصار، صورة مختصرة لبلاغة الخوف الذي انتهت إليه السلطة وأجهزتها الأمنية، ساعة تمد يديها بالحوار وتبقى اليد الأخرى ترتعش وفي ارتعاشتها يسقط الرصاص والغاز والتهديد والمطاردة وأفعال الحصار التي لم تنقطع طيلة الأشهر الماضية.هي صورة مع التحية لمن شغلوا أنفسهم في الأيام الخوالي لهندسة حملات إعلامية لتحميض صورة جديدة للنظام في الغرفة المظلمة، حملة كأنها اللعب في الوقت الضائع في مباراة حسم الفريق الآخر نتائجها مبكراً من خلال إيمانهم بقضيتهم وإصرارهم على الاحتفاظ بالورد في قبضتهم.
من هنا مرت مسيلات الدموع.سيذكر الأبناء للأجيال القادمة، وسيذكرون وظيفة الأمن التي أبدلتها الدولة، لتصبح حراسة الخراب، هنا ظللتهم غيمة من غاز لكن باب أمنيات الناس ظل مفتوحاً على رغبات التغيير، كان الصباح كالمساء مظلما إلا من يقين انتصارهم، فرقهم الغاز مرات، لكنه في كل مرة كان يحرضهم على التمسك بخيارهم.
من هنا سيطوي المناضلون من أجل الديمقراطية صفحة الدموع، ويكتبون آخر السطور في دفتر نظام لا يسمع، لا يرى، لا يتعلم، نظام لم يعرف من السياسة إلا مسيلات الدموع، ومؤجلات الشروع في التغيير، فكان حري به أن يصبح علكة في فضاء الإعلام الدولي، تلوكه الألسنة، وتلعنه كل صورة أزهرت في جوال مواطن بسيط لا يؤمن إلا بحقه في تقرير مستقبله.