كلمة الملك: كلمة باردة في وضع ساخن
يوسف مكي - 2014-02-14 - 8:20 م
يوسف مكي*
لن ندخل في التحليل النفسي للملك، ولا لجلسته، ولا إلى ملامح وجهه وحركات عينيه، ولا إيماءاته،على الرغم من أن التحليل النفسي كعلم باستطاعته أن يحلل كل ذلك ويخرج بنتائج محددة.
أما كلمته المتلفزة فهي كلمة إنشائية، تعابيرها وجملها متكررة، ولغة خشبية ليس فيها روح، بمعنى ليس فيها حرارة الواقع وما يمور فيه من أحداث. كلمة تتكلم عن المرأة في الوقت الذي تعاني فيه المرأة من عذابات السجن. تتكلم عن الإسكان في الوقت الذي تختفي فيه عن الكلمة القضايا المصيرية، ويسجن الناس بسبب وجهات نظرهم، ويفصلون من أعمالهم. تتكلم عن الدستور، والمجلس الوطني، والفرص المتساوية بين المواطنين، في حين أن البلد في مهب الريح.
كلمة تحاول إعطاء انطباع بأن النظام وأهل النظام وكل الأمور على مايرام، بينما الواقع، ومنذ ثلاث سنوات، يمور بالحراك الشعبي المطالب بالديمقراطية والعدالة، اللتين تجاهلت ذكرهما الكلمة، فهي في واد، والواقع السياسي في واد آخر، وفضل الملك الحديث عما أسماه بالإصلاح الشامل، وهو في الحقيقة شيء نسمع به ولا نراه، منذ أكثر من عشر سنوات، فلو كان هناك إصلاح شامل لما حدثت حركة 14 فبراير. الكلام والاستبد كثير، والفعل قليل.
كلمة تتجاهل مقرارات وتوصيات لجان ومؤسسات دولية تطالب النظام بالتزم تطبيقها على الارض، وهي امور متعلقة بانتهاكات حقوق الانسان، أي المواطن البحريني.
كلمة تقول شيئا وتعني شيئا آخر. كلمة كان من الممكن ان تكون مدخلا لمرحلة جديدة من خلال الاقرار بأن هناك ازمة سياسية عميقة ولابد من الاعتراف بها وحلها. وفي هذه الحالة تصبح الكلمة تاريخية وفارقة وبعيدة عن اللغة الخشبية المألوفة. اما دون ذلك فهي كلمة كباقي الكلمات.
وبما أن النظام في غير وارد إجراء أي إعادة نظر في سياسته الحالية والأوضاع المأزومة التي تعيشها البحرين، لذلك جاءت كلمة الملك من جنس النية والإرادة، خالية من أي بادرة في اتجاه الرغبة في الخروج من هذا الوضع. فقط كلمة تخاطب المواطنين بياء النداء (أيها المواطنون) حيث تتكرر ثلاث مرات، بينما الكلمة لا تتحدث في ثنايها عن مواطنين، إنما عن رعايا ومكارم وهبات، وثوابت وطنية دون أن نعرف ما هي هذه الثوابت.
قيمة أي كلمة فيما تقوله، ولكن قيمتها الأهم هي فيما تتلمسه من قضايا ساخنة وحيوية، ودون مبالغة، فإن الكلمة لم تقل شيئًا جديدًا، ولم تتعرض لأهم قضية يعيشها شعب البحرين، أعني قضية التغيير السياسي المطلوب. فلا يكفي أن تقول الكلمة بالإصلاح الشامل، بل لتثبت لنا أن هناك إصلاحًا شاملًا، وهذا ما لم تستطع الكلمة أن تقوله، لأنه لا يوجد إصلاح، ولا توجد نية لذلك، ما يوجد استبداد.
أما في موضوع هذه الكلمة، فهو مناسبة الميثاق، ولكن الميثاق يصادف أيضًا حركة 14 فبراير، ويبدو، والله أعلم، أن هذه الكلمة تأتي بهذه المناسبة لتجاوز تغطية حركة 14 فبراير على حركة الميثاق، حيث تشير الأحداث وكأن الحركة قد تجاوزت الميثاق، بينما الكلمة تحاول إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.
وإذا كان لا بد من وصف لهذه الكلمة إنما هو رد الاعتبار لما ليس له اعتبار بعد 14 فبراير 2011، والتاريخ لا يعود إلى الوراء، كما أن عقارب الساعة لا تعود إلى الوراء، كلمة الملك تأمل ذلك، لكن هيهات إلى ذلك من سبيل. كلمة باردة في وضع ساخن، وهذه هي الطامة الكبرى.
*باحث بحريني في علم الاجتماع.