قضية الأسطول الخامس في 2013.... آفاق النفوذ العسكري الأمريكي في البحرين: التدخّل... أو الرحيل!

2014-01-20 - 10:06 م

"التّمركز الدّائم في بحرين قمعيّة يقوّض دعمنا للإصلاح، وهذا التّمركز سيكون غير حصين إذا استمرّ عدم الاستقرار... ينبغي نقل مقر الأسطول الخامس".

 القائد العام السابق للقيادة الأمريكية في المحيط الهادئ، الأدميرال المتقاعد دينيس بلير

 

مرآة البحرين (حصاد الساحات): "هل يجب أن يغادر الأسطول الأمريكي البحرين؟" كان هذا أكثر الأسئلة الحرجة في واشنطن العام 2013.

"جان فرانسوا سيزنيك"، وهو أحد أساتذة جامعة "جورج تاون" الأمريكية، لاحظ أن موضوع الأسطول الأمريكي الخامس نوقش بشكل ساخن العام الماضي من كم الهيئات الدّبلوماسيّة والمؤسّسات العسكريّة، وكذلك المنظّمات ومراكز البحوث والدّراسات في واشنطن، لينتقل الجدل من "استحالة الإغلاق" إلى أن يكون "ممكناً تماماً"!

وقد يُتصوّر أن من طرح مثل هذا الخيار صحافيون أو باحثون أو مجرد ناشطين في المنظّمات الدولية، لكن الحقيقة أن من طرح هذا النقاش في العام 2013 هم أرفع القادة العسكريين، أدميرالات البحر الأمريكيين، وأهمهم المدير السابق للمخابرات، والقائد العام السابق للقيادة الأمريكية في المحيط الهادئ، الأدميرال المتقاعد دينيس بلير.

لم يعد طرح هذا الموضوع في العاصمة الأميركيّة مستهجناً أبداً مثلما كان منذ عامين، وذلك لأنّ الأمر بات مرتبطاً بأمن القوّات الأميركيّة، كما يوضّح الضابط السابق في المخابرات الأمريكية البروفيسور إميل نخلة.

على اليسار، هناك من يستغرب طرح دوائر أميركية سيناريو سحب القاعدة الأميركية من البحرين، مؤكدين أنه سيناريو مستبعد ولا يوجد مبرر واقعي لطرحه. يرى هؤلاء أن ذلك تسريب مقصود، يأتي في سياق سياسات أميركية معهودة تقوم على الضغط، حتى على أقرب الحلفاء، للحفاظ على وضع الفوقية في العلاقة معهم، وللحصول على المزيد من المكاسب المادية.

على اليمين، هناك من يدعو إلى ضرورة سحب الأسطول الخامس من مياه الخليج، أبرز من انضم إلى هؤلاء الأدميرال دينيس بلير، والبروفيسور باري بوسن، أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج دراسات الأمن في معهد ماساشيوستس للتكنولوجيا  MIT، وهو خبير أمني معروف.

وفي الوسط، هناك من يرى أن على الولايات المتحدة إيجاد بدائل جاهزة للأسطول كخطة طوارئ، ومن ثم استخدام كل النفوذ السياسي والعسكري، من موقف قوة، للضغط على النظام في البحرين، كما يرى الضابط في البحرية الأمريكية ريتش ماك دانيال، والمدير في منظمة هيومان رايتس فيرست "براين دولي".

من هذه النقاشات حول الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين، ترشح 4 آراء مختلفة:

1- يجب أن يرحلوا

2- لا يجب أن يرحلوا لأن الاضطرابات لا تصل إلى تهديد وجودهم

3- لا يجب أن يرحلوا ولكن يجب أن تكون لديهم خطة طوارئ وأماكن بديلة جاهزة

4- لا يجب أن يرحلوا ولكن يجب أن يتدخلوا لفرض الاستقرار وأن تكون لديهم خطة طوارئ

خطّان تحت الخيار الرابع تحديدا، تفتح أسئلة كثيرة، أهمّها لماذا وكيف يمكن أن يتدخّل الأسطول الخامس في البحرين؟

اسطول

أن يتدخلوا!

أصحاب هذا الرأي يفتحون الباب على مصراعيه أمام جميع الاحتمالات لتطورات الأزمة في البحرين. 

أحد ضبّاط البحرية الأمريكية، وهو الكوماندر ريتش ماك دانيال، كتب ورقة بحثية مهمة عن هذه القضية أثارت جدلا واسعا واعتبرت مرجعا مهما في هذه النقاشات الجارية. خلص الضابط ماك دانيال إلى أنه "من الممكن أن يتدهور الوضع بسرعة في البحرين ويتحول إلى بيئة غير ملائمة للولايات المتحدة" موضّحا أنه "في حين أن خسارة البحرين ليست أمرًا مفروغًا منه، فإنها لا تزال احتمالاً واضحاً في إطار مجموعة من الظروف والسيناريوهات المختلفة". 

التحذيرات من أن "يصل الوضع إلى مرحلة قد تهدد سلامة العسكريين الأمريكيين وأمنهم مع عائلاتهم، وتجعل الدفاع عن الأسطول الخامس متعذرًا، تكرّرت كثيرا، ويطرح آخرون الحجّة التالية بقوّة: "هل في مصلحة الولايات المتّحدة - في المدى القصير أو الطويل- أن يكون لديها بنى تحتيّة بحرّية في بلدٍ اقتصاده هشّ ومتقلّب سياسيّاً؟"

وفي تحليل فريد، يرى الضابط ماك دانيال أن اضطرابات البحرين ضعّفت من موقف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، لأنها بدت لا تعمل من موقع قوة في علاقتها مع البحرين، مرجّحا أن يؤثر إيجاد بدائل للأسطول (دون المغادرة) في استعادة موقف الولايات المتحدة القوي وبالتالي الضغط تجاه التغيير الديمقراطي. 

وحسبما قال الكوماندر، فإن "غياب وجود أمريكي من البحرين من المحتمل أن يخلق فراغًا في السلطة، ويزعزع  الاستقرار في المنطقة، ويقضى على التأثير المعتدل للنفوذ الأمريكي في أي أزمة بحرينية".

المحلل البارز في الشئون العسكرية كريستوفر هارمر رأى أن الاحتمال الأكبر هو أن تسهم الولايات المتحدة في إيجاد حل تفاوضي للاضطرابات في البحرين إذا ما شاءت الحفاظ على القاعدة هناك "فلو أن الولايات المتحدة أرادت مغادرة البحرين، فإننا سنفقد قدرة التأثير على النتيجة".

وبحسب مراقبين فإن المؤشرات التي قد تدفع قدما بسحب الأسطول هي أن يصل القمع إلى درجة محرجة لا يمكن أن تبقى فيها الولايات المتحدة في صورة الحليف مع هذا النظام، أو أن يصبح الوضع محليًا متقلبًا وغير آمن لبقاء الأسطول (فوضى أمنية شبيهة بالتي ضربت البلاد قبيل وخلال فترة الطوارئ من العام 2011، والتي قالت تقارير إنها كانت بداية الإرباك الكبير في القاعدة الأمريكية).

"معظم صانعي السياسة الأمريكية مجمعون على أن البحرين لن تقع في اضطرابات مدنية أوسع من شأنها أن تهدد سيطرة الولايات المتحدة على المنفذ البحري" ينقل ماك دانيال، ما يعني أنّ السياسيين الأمريكيين يتبنّون الرأي الثاني دون رتوش، لكنّ أستاذ "جورج تاون" يرى أنّ المؤيّدين لإغلاق القاعدة في النقاشات الجارية قد فازوا على ما يبدو، مشيرا إلى ما يجري في أروقة الدبلوماسية الأمريكية والكونغرس!

يقول دانيال إن "تجاهل الوضع السياسي الهش في البحرين والعديد من السيناريوهات المحتملة يسير عكس اتجاه التاريخ والتوجّهات الحالية في الشرق الأوسط".

في حال تدهور الوضع السياسي والأمني في البحرين، فإن الولايات المتحدة لن تجازف بأن يكون الأسطول والقاعدة ومساكن العاملين فيها أهدافا للمحتجين الشيعة الذين يتهمونها بالتحالف مع النظام، أو المتطرفين السنة الذين يعادونها في كل مكان، وسط هذه الفوضى الأمنية. 

ستكون الكارثة أن يواجه الأسطول الأمريكي الخامس، الذي ترتكز مهمته على حفظ الأمن في مياه الخليج، أزمة تهدد أمنه هو في محل إقامته: البحرين! ولأن الجيش الأمريكي لا يريد أن يكون طرفا في الصراع على الأرض، وأن يتدخّل في نزاع لا ناقة له في ولا جمل، رغم أنه يتهدد أمنه، فإن الخيار الأكثر تردادا هو: الرحيل!

مع ذلك، تقول كل المؤشرات على الأرض أن الإدارة الأمريكية مصممة على البقاء، دون أن تكون هناك حتى خطة بديلة للطوارئ!

شكل التدخل العسكري من قبل الولايات المتحدة

ماذا وراء هذا التصميم الأمريكي على البقاء في البحرين؟ هل يقلّص هذا الخيارات إلى أن تكون الولايات المتحدة على استعداد للتدخل العسكري في أي لحظة وحماية نفسها بل وفرض الاستقرار في البلاد إذا تطلّب الأمر! هل يمكن أن نشهد تغييرا سياسيا بالقوة مرة أخرى (المرة الأولى كانت حين حاصرت البوارج البريطانية البحرين عام 1923 لترغم حاكمها عيسى بن علي آل خليفة على التنحّي). 

كيف سيكون شكل تعامل الأسطول مع القوات الخليجية المرابطة في البلاد (السعودية والإمارات)؟ – هذا التساؤل ليس خرافة، إذ وردت له إشارة في ورقة الضابط ماك دانيال-

بين احتمال التدخّل العسكري، فيما لو عمّت الفوضى البلاد، وبين استخدام النفوذ العسكري في الضغط تجاه الحل السياسي، مسافة غير بعيدة، لأنّها تستند في الأساس إلى أن القوات الأمريكية الحاضرة على الشاطئ لا يمكنها أن تبقى "متفرّجة" و"مكتوفة الأيدي" في حال عمّت الفوضى المكان!

يتساءل ماك دانيال "هل يجب استخدام العصا أم الجزرة في تشجيع الإصلاح الديمقراطي مع الحلفاء؟" يرجّح دانيال أن يكون فرض النفوذ والنهج القائم على الحوافز هو الأنسب.

أما الأدميرال المتقاعد دينيس بلير فإنه يرى أن كل الظروف والعوامل المؤثرة في المنطقة لا تعني أن الولايات المتحدة يجب أن تهدد البحرين أو تتخلى عنها، داعيا إلى استمرار الانخراط مع البحرين و"العمل بإصرار وصبر من أجل التغيير الديمقراطي السلمي"، مبررا ذلك بأن التعاون الأمني الوثيق بين الولايات المتحدة وبعض البلدان قد ساهم في تحولاتها الديمقراطية، ضاربا بـ"كوريا الجنوبية"، تايوان، تركيا، إسبانيا، ومصر، أمثلة على ذلك. 

ويكشف دينيس بلير في مقاله أن ضباط الجيش والدبلوماسيين الأميركيين يقومون فعلا من وراء الكواليس بعمل مهم لدعم الحراك في البحرين نحو مزيد من الديمقراطية، لكنّه يرى أن "الأولويات المعلنة وفهمنا للنفوذ في هذه العلاقة كان على العكس".

ثورة

العسكريون الأمريكيون يمارسون نفوذهم على النظام

المسئولون العسكريون الأمريكيون شاركوا فعليا في استخدام نفوذهم في الضغط على النظام البحريني تجاه فرض حل سياسي يلبي مطالب المعارضة، ومن اللافت أن أهم مبعوث من الولايات المتحدة للنظام خلال الثورة كان المسئول العسكري الأول في أمريكا، وزير الدفاع الأمريكي!

في 12 مارس/آذار 2011، زار المنامة وزير الدفاع الأمريكي السابق روبرت غيتس، وقال علنا إنه ينبغي على النظام إجراء إصلاحات سياسية هامة، سريعة، وواسعة النطاق، استجابة لمطالب المتظاهرين، وبحسب وكالة فرانس برس فقد أبلغ غيتس القادة البحرينيين بأن "الوقت ليس في صالحكم".

الرد على غيتس كان بدخول قوات درع الجزيرة السعودية إلى البحرين، وقمع المتظاهرين، وبداية فترة طويلة من الاضطرابات الأمنية والسياسية، واضطراب العلاقة بين واشنطن والمنامة بشدة!

تقارير غربية ذكرت أن شائعات قوية وذات مصداقية قالت إن الملك والمسئولين في البحرين رفضوا في بعض الأوقات لقاء رئيس القاعدة البحريّة الأمريكية، وكانت دعواته لا تجد أيّ تجاوبٍ أو ردودا إيجابيّة. 

في حين نقلت صحيفة العرب اللندنية عن مسؤول عسكري أمريكي قوله "إننا نقوم باستمرار بتقييم الوضع على الصعيد الأمني" في البحرين.

وبعد حوالي 3 سنوات، لم يزر فيها البحرين مسئول أمريكي رفيع، أرسلت الولايات المتحدة وزير الدفاع مرة أخرى! وكما قال تصريح صادر عن القيادة المركزية للقوات الأمريكية، فقد شمل لقاء وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل مع ملك البحرين في ديسمبر/كانون الأول، نقاشا مهما حول الإصلاحات السياسية في البحرين وأهمية الشمولية السياسية في الاستقرار طويل المدى.

وكان قائد "القيادة الأميركية الوسطى" السابق الجنرال جيمس ماتييس قد أكّد في شهادة أمام الكونغرس ممارسة القادة العسكريين ضغوطا سياسية على النظام البحريني: "واجهت البحرين خلال السنوات الماضية تحديات داخلية، وقد عملت القيادة الأميركية الوسطى بشكل وثيق مع الحكومة الأميركية لدعم الحوار والإصلاح في البحرين، باعتباره أمرا رئيسيا في ضمان استقرار البلاد وأمنها".

وربما تأتي في السياق ذاته زيارات ولقاءات قائد القيادة المركزيّة الأميركية الحالي، الجنرال لويد أوستن،  وكذلك قائد القوات البحرية الأميركية الأدميرال جوناثان غرينرت. 

بداية الارتباك

وبدأت الشكوك تحوم حول مصير الأسطول الخامس منذ دخول قوات درع الجزيرة البلاد منتصف مارس/آذار 2011، ودخول البلاد في دوّامة من الاضطرابات الأمنية والسياسية.

في 16 مارس/آذار 2011 نقلت صحيفة وورلد تريبيون الأمريكية عن مصادر دبلوماسية أن البحرية الأمريكية بدأت بإخلاء منشآتها في البحرين، وأن السفن الحربية الأمريكية لم تعد تقوم بدوريات في سواحل البحرين، لكن بيانا صادرا عن القيادة المركزية الأمريكية نفى ذلك، وقال إنه رحّل فقط عوائل العسكريين والمدنيين غير الضروريين. 

وورلد تريبيون نقلت في ديسمبر/كانون الأول 2012  أن البحرية الأمريكية تفكر جديا في خفض قواتها بعد تلقيها أوامر بخفض الميزانية، ولتجنب أن تكون هدفًا للمتمردين الشيعة، بحسب ما وصفت. 

في يونيو/حزيران 2013، كشف مسئولون أمريكيون في قوات حماية البحرية الأمريكية، أن عناصر "متشدّدة" كانت تراقب بشكل متكرر موظفي الولايات المتحدة في مواقع مختلفة شملت موظفي "دعم البحرية"، ومدرسة البحرين التي يدرس فيها طلاب أميركيون، ما استدعى إطلاق تحذير عام لجميع المنتمين إلى القوات الأمريكية وعوائلهم.

وكان الأسطول الأمريكي الخامس قد أصدر تحذيراً آخر لمنتسبيه من الذّهاب إلى "مجمع السيف" ومجمع "سيتي سنتر" في أعقاب حملة "تمرد" منتصف أغسطس/آب 2013. 

الكونغرس الأمريكي: أين خطة الطوارئ، ولماذا لا ينقل الأسطول؟

وفي أهم مؤشر على دخول الجدل حول الأسطول مرحلة جديدة، تلقّت لجنة القوات المسلحة بالكونغرس الأمريكي شهادة من قائد "القيادة الأميركية الوسطى" السابق الجنرال جيمس ماتييس في 5  مارس/آذار 2013.

وقال ماتييس في شهادته إن البحرين "المستقرة" تعتبر "بالغة الأهمية" بالنسبة إلى الولايات المتحدة الأميركية، "لأنها تحتضن مقر قيادة الأسطول الأميركي الخامس"، وأضاف ماتييس إننا "سنظل شريكا قويا مع البحرين والشعب البحريني في السنوات القادمة".

وفي 22 يوليو/تموز، بعث السيناتور روبرت كيسي برسالةٍ إلى وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، يسأله "إذا ما كان هناك موقع إسناد للطوارئ للأسطول الخامس الأميركي في البحرين في حال  تدهور الوضع السياسي في البحرين". وكتب كيسي "أنا قلق لأننا لم نضع خططًا لإنشاء مرفق بديل في حال الطوارئ في هذه المنطقة الديناميكية والحساسة استراتيجيًا".

وفي جلسةٍ جرت في الكونغرس؛ دعا كلٌّ من عضو الكونغرس الأميركي، جيمس ماكجفرن، وعضو مؤسّسة حقوق الإنسان أولاً، براين دولي، إضافة إلى الضابط السابق في المخابرات الأمريكية إميل نخلة؛ لتحويل مقرّ الأسطول الخامس الأميركي من مملكة البحرين إلى موقعٍ آخر، واعتبر نخلة أنّ تحويل موقع القاعدة الأميركيّة يجب أن يكون على رأس القائمة.

دينيس

الأدميرال دينيس بلير: البحرين المضطربة تهدّد مصالحنا

في أواخر فبراير/شباط 2013؛ كتب تشارلز ليفينسون في "ذا وول ستريت جورنال" تقريرا تحت عنوان "القصر المتصدع في الخليج العربي يربك القاعدة البحرية الأمريكية"، تحدّث فيه عن انقسام حادّ داخل العائلة المالكة في البحرين يزيد من قلق الولايات المتّحدة على قاعدتها البحريّة الرّئيسيّة في قلب الخليج.

وأشار ليفنسون إلى أن المدير السابق للمخابرات والقائد العام السابق للقيادة الأمريكية في المحيط الهادئ، الأدميرال المتقاعد دينيس بلير، حثّ وزارة الدّفاع الأمريكيّة في فبراير/شباط على نقل مقرّ الأسطول الخامس خارج البحرين، وترجيح التغيير الديمقراطي السلمي على المكاسب العسكرية أو الاقتصادية قصيرة الأجل.

وكتب بلير في صحيفة ذا هيل "ينبغي نقل مقر الأسطول الخامس ليكون على متن حاملة طائرات، كما كان حتى عام 1993". وقال إن ذلك مكلف ولكنه "ضروري" مشيرا إلى أن "التّمركز الدّائم في بحرين قمعيّة يقوّض دعمنا للإصلاح، وهذا التّمركز سيكون غير حصين إذا استمرّ عدم الاستقرار". 

ونقل ليفنسون عن أميركيين من ذوي الخبرة في الملف البحريني قولهم "إذا واصل الخوالد كسب النّفوذ فقد يكون من غير الممكن بقاء الآلاف من أفراد الجيش الأمريكي وعائلاتهم هناك".

ورقة الكوماندر ماك دانيال: ماذا لو أرغمت الأحداث على إقفال القاعدة؟

وفي يونيو/حزيران 2013 نشر معهد بروكينغز الأمريكي للأبحاث ورقة بحثية خطيرة عن وضع القاعدة الأمريكية في البحرين في ظل الاضطرابات السياسية، أعدّها الضابطٌ في البحريّة الأميركيّة، الكوماندر ريتشارد ماك دانيال.

ودعا ماك دانيال في ورقته المثيرة إلى درْس حلولٍ بديلة في حال أرغمت الأحداث التي تشهدها البحرين في الأشهر الأخيرة على إقفال القاعدة البحريّة الأميركيّة في البلاد، مقترحاً قطر أو الكويت أو الإمارات أو سلطنة عمان كخيارات أخرى.

الورقة البحثية الموسّعة لاقت صدى واسعا وأثارت جدلا كبيرا لم يتوقف في الأروقة الأمريكية، وقد جاءت الورقة تحت عنوان "لا خطة بديلة: المنفذ الاستراتيجي الأمريكي في الشرق الأوسط وقضية البحرين"، وصف فيها ماك دانيال القاعدة الأمريكية في البحرين بأنها "القاعدة الاستراتيجية الأمريكية الأكثر أهمية في قلب الشرق الأوسط".

وكتب ماك دانيال "نظرا للاضطرابات السياسية المستمرة، فإن احتمال فقدان حقوق التمركز الاستراتيجي في البحرين هو الشيء الذي ينبغي النظر إليه بعناية"، وأضاف "لسوء الحظ، قال القادة العسكريون إنه ليس هناك خطة بديلة إذا ما تعرض التمركز الاستراتيجي في البحرين إلى خطر"، مشيرا إلى أن عدم وجود خطة بديلة للأسطول الخامس "يمكن أن تكون له نتائج كارثية على المصالح الاستراتيجية للولايات المتحدة".

وتوصي الورقة البحثية برسم سيناريوهات تختبر كل الاحتمالات، بما فيها محاكاة لعبة حرب بحرينية.  

وانعكست هذه الورقة البحثية في العديد من النقاشات السياسية الرسمية على صعيد الكونغرس والإدارة الأمريكية، وكذلك المنظمات والمحللين والباحثين، كما نشرت عنها العشرات من التقارير الصحافية التي اعتبرتها حرجة جدا.

الخليج: ما بعد إيران والنفط الصخري

ورأى تقرير لموقع "سويس إنفو" تزايدا في المخاوف الخليجية من انسحاب استراتيجي أمريكي من المنطقة بعد التقارب الأمريكي الإيراني وتوقيع الاتفاق النووي.  

وتعالت أصوات أمريكية بعدَ صفقة النّووي الإيراني تدعو إلى انسِحاب واشنطن من منطقة الخليج، لكن من غيْر الواضح ما إذا كانت تعني انسِحابا عسكريا يشمل قوات المارينز والقواعِد الاستراتيجية، أو انسِحابا نِسبيا، كالإعلان الضمني مثلا عن أن الولايات المتحدة لن تبقى مسؤولة عن رِعاية إرث الإستعمار الإنجليزي في الخليج، عبْر الالتزام بأنظمة الحُكم العربية في هذه المنطقة.

من جهته اعتبر الخبير السياسي في شئون البحرين جستين غينغلر أن "أي تغيير محتمل في السياسة أو حتى في اللهجة فيما يتعلق بالأسطول الخامس قد لا يكون ذي صلة بقضية البحرين أكثر من كونه رغبة في إبداء موقف عسكري معتدل للولايات المتحدة إزاء ايران".

وانطلقت في مياه الخليج، مايو/أيار 2013، مناورات بحرية تقودها الولايات المتحدة وُصفت بأنها الأكبر، ونقلت "فرانس برس" عن قائد الأسطول الخامس الاميركي الأدميرال جون ميلر قوله إن "ايران غير مستهدفة" بهذه المناورات.

ونأى الأسطول الخامس بنفسه عن حادثة "طائرة التجسس" الإيرانية التي ادّعتها الحكومة البحرينية، وزعمت العثور على حطامها في المياه الإقليمية، وقالت مسئولية إعلامية في القاعدة الأمريكية إنه "ليس للقاعدة علاقة بالموضوع لا من قريب ولا من بعيد".

بدوره رأى سايمون هندرسون، مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة في معهد واشنطن، أن إيران سوف تحاول إضعاف العلاقة بين الولايات المتحدة والبحرين في المرحلة القادمة، ما اعتبره خطرا حقيقيا يتهدّد هذه العلاقات المضطربة من الأساس.

من جانب آخر، توقّع تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية أن يحزم الأسطول الخامس الأمريكي أمتعته ويبحر إلى موطنه في المستقبل القريب، لمجرد أن أمريكا قد وجدت ما يكفي من النفط والغاز لتلبية احتياجاتها عبر استخراج النفط الصخري. 

مؤشرات البقاء

في يونيو/حزيران جدّد التوقيع على عدد من اتفاقيات الترتيبات الدفاعية بين قوة دفاع البحرين ووزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون).

ورغم كلّ التّحذيرات؛ فقد عمدت البحريّة الأميركيّة في يوليو/تموز إلى نشْر ثلاث سفن دوريّة في مياه البحرين، ليرتفع عددُ السّفن التي تقوم بمراقبة مياه الخليج إلى ثمانية.

وردّاً على ما تقدّم من دعوات وتسريبات؛ أكّد رئيس القوات البحريّة الأميركية، الأدميرال جوناثان غرينيرت، "عدم وجود نيّة أو حتّى خيار لنقل مركز خدمات الدّعم البحري التّابع للبحريّة الأميركيّة من البحرين إلى أّي مكان آخر نظراً لما تقدّمه البحرينُ من تسهيلات".

وجدّد وزير الدفاع الأميركي، تشاك هيغل، هذا الموقف خلال زيارته القاعدة الأميركيّة على هامش مشاركته في "حوار المنامة"، وخاطب هيغل القوات بالقول "تاريخنا في هذه المنطقة طويل ويدعو للفخر. والتزامنا تجاه شركائنا في هذه المنطقة يتحدث عن نفسه، وأؤكد لشركائنا أننا لن نذهب بعيدا" مشيرا إلى أن المنطقة تواجه مخاطر وأوضاعا غير مستقرة.

ورأى مراقبون أن إقرار مشروع توسيع القاعدة البحريّة الأميركيّة، والذي تبلغ تكلفته 580 مليون دولار، ويشمل بناء جسر معلق، أبرز مؤشر على التزام أميركي بالبقاء في المنطقة.

هذه النظرية يدعمها كريستوفر هارمر، المحلل البارز في مجال البحرية في معهد دراسات الحرب في العاصمة واشنطن "من غير المرجح شروع الولايات المتحدة في عملية الخروج من البحرين في أي وقت قريب. لقد أنفقنا الكثير من المال والجهد لبنائه".

اسطول 2

من هو المستفيد من القاعدة الأمريكية: البحرين أم أمريكا؟

ويثير الجدل حول من هو المستفيد فعليا من القاعدة الأمريكية في البحرين، تناقضات حول المتضرر من أي تغيير يتعلق بالأسطول الخامس، وحول من يملك ورقة "الأسطول" كأدة ضغط ونفوذ: هل هي الولايات المتحدة، التي جاءت بالأسطول لحماية مياه الخليج، أم النظام البحريني الذي يستضيفه؟

في أحد لقاءاته الصحافية، ذكّر الملك حمد بن عيسى بأنّ البحرين رحّبت باستضافة الأسطول الخامس الأميركي في الوقت الذي كانت فيه جميع دول المنطقة ضدها. 

على الصعيد العسكري الأمريكي، أثنى وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل في خطاب علني على استضافة البحرين للأسطول الخامس ودعمها لآلاف الأميركيين العاملين هناك، مؤكدا على أهمية "العلاقة الدفاعية بين البلدين الممتدة منذ 7 عقود".

وسانده في هذا السياق رئيس البحرية الأمريكية جوناثان غرينيريت، الذي اعتبر التسهيلات المقدّمة من البحرينُ عاملا أساسيا للبقاء، وكذلك قائد "القيادة الأميركية الوسطى" السابق الجنرال جيمس ماتييس، الذي اعتبر البحرين "بالغة الأهمية" والعلاقة بها حساسة جدا نظرا لتقديمها دعما رئيسيا لمصالح أمريكا. 

ويأتي رأي الكوماندر ريتش ماك دانيال قريبا من هذا الاتجاه حين يشير إلى أن الولايات المتحدة بدت لا تعمل من موقع قوة في علاقتها مع البحرين، بسبب عدم وجود أي بدائل حالية لمقر الأسطول الخامس. 

لكن المدير السابق للمخابرات والقائد العام السابق للقيادة الأمريكية في المحيط الهادئ دينيس بلير رأى أن "البحرين بحاجة إلى الولايات المتحدة أكثر من حاجة الولايات المتحدة إلى البحرين، في الجانبين الأمني والاقتصادي".

أستاذ جامعة جورج تاون "جان فرانسوا سيزنيك" رأى أن اتجاه الولايات المتحدة لإغلاق القاعدة البحرية بالبحرين، يفرح المتطرفين لكنه مقلق للسعوديين، فالقاعدة وجدت لتحميهم من الخطر الإيراني لا لحماية آل خليفة، لذا سينظر إلى ذلك على أنه إضعاف لخطوط دفاع السعودية وللأسرة المالكة فيها.

من جهته رأى "سلمان شيخ" مدير مركز بروكنجز للأبحاث في الدوحة أن الولايات المتحدة تملك بعض النفوذ في البحرين عن طريق الأسطول الخامس الذي "يوفر صمام أمام للبحرين ضد الخطر الإقليمي" حسب وصفه.

وحتى لو كانت القاعدة الأمريكية في البحرين هي الأهم في الشرق الأوسط، فإن البروفيسور باري بوسن، أستاذ العلوم السياسية ومدير برنامج دراسات الأمن في معهد ماساشيوستس للتكنولوجيا قد رأى اضطرابات البحرين الكبيرة أمرا "يثير تساؤلات حول جدوى مستقبل الوجود العسكري للولايات المتحدة المتزايد هناك" مضيفا أن الولايت المتحدة ليس في وسعها تحمُّل مسؤولية الدفاع عن دول الخليج ضد تمردات داخلية.

بدوره أكّد الضّابط السابق في وكالة الاستخبارات المركزية، إميل نخلة، أن الدافع لأي قرار أميركي بنقل الأسطول الخامس من البحرين سيكون الاعتبارات الاستراتيجيّة والاقتصاديّة التي تتجاوز علاقة الملك حمد الشّخصيّة مع سفراء المملكة المتّحدة والولايات المتّحدة هناك. وكشف نخلة أن قادة البحرين هم من يخشى نقل قيادة الأسطول الخامس الأميركي من أراضيها، وخصوصا رئيس الوزراء خليفة بن سلمان آل خليفة. 

الكاتب الصحافي ألكيس كوكس، وهو ابن ضابط في القاعدة الأمريكية بالبحرين، رأى أن حجم المنافع التي تحصل عليها البحرين جراء وجود الأسطول الأمريكي الخامس، يجعل النفوذ في يد أمريكا وليس العكس.

وبين كل هذه الآراء، يبرز موقف أمين عام جمعية الوفاق البحرينية المعارضة، الشيخ علي سلمان الذي قال إن البحرين "بحاجة للأسطول أكثر من الولايات المتحدة التي بإمكانها إقامة الأسطول في أي بلد قريب".

الأسطول الخامس: ورقة سياسية وأداة نفوذ

يكاد يجمع المحللون والمراقبون على أن الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين ورقة ضغط سياسية وأداة نفوذ كبيرة بيد الإدارة الأمريكية تجاه البحرين. 

في هذا السياق، برزت آراء حقوقية وسياسية وعسكرية تؤيّد بقاء القوات الأمريكية نظرا لتأثيرها المهم في الصراع السياسي الدائر في البحرين.

أستاذ جامعة جورج تاون "جان فرانسوا سيزنيك" قال معقّبا "يبدو أن على السعوديين دفع آل خليفة للتخلي عن سياساتهم في سحق الأغلبية الشيعية حماية لمصالحهم الخاصة. السعوديون سيكونون متحمسين للرغبة في الحد من نفوذ إيران على الشيعة بالبحرين، والحجة لضمان بقاء القاعدة الأمريكية بها".

يضيف الأستاذ الجامعي "لم تعد هناك حاجة لأن تتفاوض الولايات المتحدة مع المتطرفين وغير الموثوق بهم من العائلة المالكة في البحرين، لأجل إحداث التغيير المطلوب، وهذه الطريقة إذا نجحت فإنها ستظهر أن الدبلوماسية الأمريكية أكثر تطورا وتمرّسا من المعتاد، ما يزيد من الثقة فيها".

من جهته رأى الخبير السياسي في الشئون البحرينية جستين غينغلر أن الأسطول الخامس قد فشل ظاهريًا على الأقل في تحقيق إمكاناته كورقة ضغط سياسي، وتحديدًا لأن حكومة الولايات المتحدة لم ترسل أي إشارات مهمة تفيد بأن إعادة تقييم القاعدة هو قيد إعادة النظر. وقال غينغلر إن دور وأهمية القاعدة الأمريكية بات يوصف "في كلمات أكثر تواضعًا: إنها مجرد محطة دعم" لكنه اعتبر تغيير اللهجة على أي حال، يخدم نفوذ الدبلوماسية الأمريكية.

بدوره اعتبر المدير في هيومان رايتس فيرست "براين دولي" أن الأسطول الخامس هو الورقة الأكبر لإدارة أوباما "الورقة التي كان حتى الآن مترددًا في استخدامها"، وخلص دولي إلى أنه قد "حان الوقت لكي توضح الولايات المتحدة أنه لا يوجد حليف -حتى ذلك الذي يستضيف أسطولاً بحرياً - فوق سيادة القانون"، داعيا إلى أن تبلّغ السلطات في البحرين بأن وجود الأسطول الخامس ليس أوتوماتيكيًا وأن علاقة الحكومة الأمريكية مع الأسرة الحاكمة ليست غير مشروطة.

الكاتب الصحافي ألكس كوكس رأى أن هذه القاعدة العسكرية تلعب دور المؤثر المنطقي للولايات المتحدة في محاولاتها الأخذ بيد الحكومة البحرينية نحو الإصلاحات الحقيقية.

وقال كوكس إن السيناريو الأمثل لحل هذه الأزمة يكون عبر تجنب الظروف التي من الممكن أن تؤدي إلى نقل الأسطول الخامس. "وفي هذا السياق، يجب على الولايات المتحدة الأمريكية أن تبعث رسالة واضحة إلى حكومة البحرين تشير فيها إلى أن الاستقرار في المملكة هو أمر أساسي للمصالح الأمريكية، ويجب أن يتم تحقيقه عبر إصلاحات سياسية وحقوقية حقيقية. وإضافة إلى ذلك، على الولايات المتحدة أن توضح أن الوجود العسكري لا يمكن أن يبقى إلى أجل غير مسمى في حال لم يتم إعادة تحديد الوضع الحالي للعلاقات".

موقف المعارضة من الأسطول الخامس

في أكتوبر/تشرين الأول 2011، نقل موقع قناة الجزيرة عن الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق، كبرى القوى السياسية المعارضة، أنه "لا توجد مشكلة للمعارضة في وجود الأسطول الأميركي الخامس الذي يتخذ من المنامة مقرا له" مؤكدا أن البحرين "بحاجة للأسطول أكثر من الولايات المتحدة التي بإمكانها إقامة الأسطول في أي بلد قريب".

وجدد سلمان رؤية المعارضة لهذه القضية في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، عبر لقاء مع قناة الميادين الفضائية، قال فيه "إن تواجد الأسطول الأمريكي الخامس في البحرين جاء وفق اتفاقية دولية ونحن ملتزمون بهذه الاتفاقية".

وكان دوگلاس كاتز، وهو لواء متقاعد وأول قائد للأسطول الخامس، قد تساءل في مقال ما إذا كانت نتيجة إجبار عائلة "آل خليفة" الحاكمة في البحرين على التنحي أن يجبر الأسطول الخامس على المغادرة؟ محذّرا من أن ذلك سيطرح أسئلة كبيرة يصعُب الإجابة عليها، ولكن يجب معالجتها، لأن هناك تداعيات عالمية شديدة لنتائجها.

 

قراصنة

*قصة التواجد العسكري الإنجلو/أميريكي في الخليج: إيران أم العرب!

رغم أن التواجد العسكري الأمريكي يوجّه على أن مهمّته حماية الخليج من خطر إيران، إلا أن تاريخه بدأ على خلاف ذلك تماما، فمجيء الأسطول الخامس إلى البحرين لم يكن بعد الثورة الإسلامية في إيران، بل بعد غزو الكويت (حرب الخليج الثانية)، أما بداية التواجد العسكري الأمريكي الرسمي، عبر القاعدة البحرية، فقد كان منذ زمن الشاه المخلوع محمد رضا بهلوي، أي قبل الثورة الإسلامية، حين كانت إيران "شرطي الخليج" الأمريكي.

وقد ملأ التواجد العسكري الأمريكي الفراغ الأمني الأجنبي الذي خلّفه رحيل البحريّة البريطانية؛ والتي كانت بوراجها قد دخلت الخليج وسيطرت عليه منذ 200 عام، للسبب ذاته: النزاع بين العرب أنفسهم وليس الآخرون! 

بريطانيا في "ساحل القراصنة"

مطلع القرن التاسع عشر، لم يكن الخليج آمناً؛ فالنزاع بين شيوخ القبائل العربية الحاكمة كان محتدما لانتزاع نصيب أكبر من التجارة الخليجية والهندية والإفريقية وكسب السيادة والتفوّق، ولذلك كثرت الحروب في البحر، وكثر الغزو، والاستيلاء على السفن والبضائع، وعليه أطلق البريطانيون اسم "ساحل القراصنة" على الخليج العربي. 

شيوخ القبائل كانوا بالنسبة لبريطانيا يهدّدون السلام البحري والطرق التجارية البحرية في الخليج، والتي كانت أهم ركيزة لتجارة الشرق المنقولة إلى الخليج وموانئه وإلى البصرة وشرق إفريقيا. ولذلك أبدت بريطانيا رغبتها في السيطرة على هذه الطرق بنفسها.

وفي العام 1818م، وجّهت بريطانيا ضربة عسكرية شاملة لأساطيل القبائل العربية الحاكمة في الخليج، ودخلت سفينة (إيدن) الحربية "ساحل القراصنة"!

نتيجة هذه الحرب كانت معاهدة السلام العامة عام 1820م، والتي أبرمها البريطانيون مع  مشيخات الخليج بما فيها البحرين، ووافق بموجبها الحكام على وقف الأعمال العدوانية في البحر نهائياً، ومنحت بنود تلك المعاهدة البريطانيين الحق في ضبط الأمن في بحار أسفل الخليج، إلاّ أنّها لم تؤدّ إلى وقف تامّ للحروب بين القبائل العربية في البحر، لتوقّع لاحقا اتفاقيات أخرى أهمها اتفاقية 1892 التي جعلت بلدان الخليج بما فيها البحرين تحت "الحماية البريطانية" بشكل مباشر.

وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 استخدمت البحرين كقاعدة لحشد القوات البريطانية وعتادها أثناء حملتها ضد العراق.

وتدخّلت البوارج البريطانية الحربية حتى في النزاعات المحلية، حيث حاصرت البحرين عام 1923 لإجبار الحاكم عيسى بن علي آل خليفة على التنحّي!  

في العام 1967 قررت بريطانيا نقل قاعدتها البحريّة الرّئيسيّة في المنطقة من عدن إلى البحرين، لكنها في العام 1968 أعلنت بأنّها سوف تُغلق قواعدها المُتواجدة على امتداد شرق قناة السويس مع حلول العام 1971.

أمريكا: حرب الخليج!

التّواجد العسكري الأمريكي في البحرين يعود إلى أربعينات القرن الماضي، حيث دخلت قوّاتُ البحريّة الأمريكيّة منطقة الخليج خلال الحرب العالميّة الثّانية، وتمركزت في البحرين، وأصبحت البحرين وحتّى اليوم مقرّاً للأسطول البحري الخامس للولايات المتّحدة الأمريكيّة.     

وقد تمّ ملأ الفراغ الأمني الأجنبي الذي خلّفه رحيل البحريّة البريطانية؛ بالتّواجد الأمريكي، ففي عام 1971 وقّعت حكومة البحرين مع الولايات المتحدة الأمريكيّة اتفاقيّة أمنيّة، سمحت بتأجير المرافق البحريّة والعسكريّة على القوّات الأمريكيّة. وقد سيطرت البحرية الامريكية في الأساس على قاعدة البحرية الملكية البريطانية في عام 1971، وكانت القاعدة تغطي حينذاك 10 فدادين فقط.

وتُعد البحرين من أقدم الدول العربية التي أقامت تعاوناً عسكرياً مع الولايات المتحدة، وبعد حرب الخليج الثانية، وتحديداً بتاريخ 27 أكتوبر/تشرين الأول 1991، وقعت المنامة وواشنطن اتفاقية "التعاون الدفاعي"، لمدة 10 سنوات، وهي تنص على تقديم تسهيلات للقوات الأمريكية، ومنحها الحق في التموضع، وتمّ تمديد اتفاقية التعاون الدفاعي سرّاً من قبل إدارة بوش من عام 2002 حتى عام 2016.

ومنذ 1993 أصبحت البحرين موطن القيادة المركزية للبحرية الأميركية، ومنذ يوليو/تموز 1995 كانت المنامة موطنا للأسطول الأمريكي الخامس بعد أن أعيد تنشيطه، إثر غزو الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين أراضي الكويت.

حول الأسطول 

الأسطول الخامس الأمريكي (United States Fifth Fleet) يتبع سلاح البحرية الأميركي، وتحديدا القيادة الأمريكية الوسطى (أو القيادة الأمريكية المركزية)، ويصفه خبراء أميركيون بأنه أكثر الأساطيل الأميركية الاستراتيجية أهمية، بسبب مرور 40% من الصادِرات العالمية للنفط الخام عبْر الخليج العربي.

وتشمل منطقة عمليات الأسطول: الخليج العربي وخليج عُمان وبحر العرب وخليج عدن والبحر الأحمر، وأجزاء من المحيط الهندي، على امتداد يبلغ 2.5 مليون ميل مربع ويشمل 20 دولة وثلاث مضائق حيوية هي مضيق هرمز وقناة السويس ومضيق باب المندب.

ويخدم في القيادة المركزية الأمريكية للقوات البحرية، التي يتبعها الأسطول الخامس، أكثر من 25000 جندي من جنود التحالف والجنود الأمريكيين.

ويدعم الأسطول العسكري مركز "القاعدة الأمريكية البحرية" (NAS Bahrain) التي أصبحت مقرا دائما للقوات الأمريكية منذ 1971، وشكّلت القاعدة مركزا حيويا لتجمع العسكريين أثناء حربيّ الخليج والعراق، وتضاعف عدد العمال فيها من 3 آلاف إلى 7 آلاف، كما أن مساحتها زادت من 10 فدادين إلى 80 فدانا. 

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus