شاهدة من ميدان عزاء المنع: عام 2014 كما فتحته ساحات السنابس

2014-01-02 - 1:40 م

سامية سعيد*

2014.1.1 هو الحدث، عشناه في لحظته الراهنة، بلا تخطيط أو تحضير مسبق، وبلا جهاز فكري يقوده، أو يعبر عن مشروعه السياسي، وبدون قيادة جمعية أو جهة، فقط كانت قبضاتنا هي التحدي، ولا إنشاء في المسألة؛ يكفي أن يدوي الهتاف يا "حسين"، بعدها ترى أن الحرية "ممكنة"، تحلق بك بالنصر وأن "التحرر" لم يمت من قلبك الدامي.. الشهداء معك، أحبتك في السجون معك.. وطنك المثخن بالجراح معك.

كانت السنابس يوم أمس مجهزة للدخول في حرب، خلنا أن قوات درع الجزيرة عادت بعدتها وعتادها لتبيدنا أو تنسفنا فرداً فرداً، أعداد قوات المرتزقة تنافس أعداد المتوافدين إلى العزاء، أما أجياب الشرطة والمدرعات فلا تسأل. كان كل شيء يشير إلى أن مجزرة دموية توشك أن تحدث. لكن السنابس مضت، فتحت المشهد بقوة، وكان مشهداً "يُبكي" لشدّة ما فيه من الارتجال بقدر ما فيه من الوعي والاتزان.

بخطوات واثقة، شق الشباب، الكبار، النساء.. الكل.. شقوا طريقهم نحو مسار العزاء، مخالفين البيانات التي صدرت مناشدة بالعزاء داخل المآتم فقط حفاظاً على الأرواح وتجنباً لما قد لا يحمد عقباه. تاريخياً، لأول مرة أشاهد المعزين ملتحمين من كل مكان، لا بيارق تتقدم كل موكب على حدة، الجميع بيرقهم صرختهم: يا حسين يا حسين.

تقدّمت الحشود الكبيرة وهي تهتف متحدية، أمام جحافل قوات المرتزقة والضباط، الجميع كان على مرمى حجر من أسلحة المرتزقة التي كان يمكن أن تقنصهم بلا رحمة، بل يكاد المعزون يختلطون بالمرتزقة لشدة تلاشي المسافة بينهم. كل شيء ينذر بهجوم غير محمود، لكن أحداً لم يتراجع، وجدنا أنفسنا نتقدم ونتقدم وكانت خطواتنا تقوى كلما رددنا: يا حسين يا حسين.

كان الشعور هو هذا: أما نحن أو هم ولا شيء غير ذلك، لم نكن نفكر بعددهم أبداً، كأننا لم نكن نراه أمامنا، وحقيقةً لا أحد منا توقع كيف سيكون المشهد التالي بعدها، هي اللحظة الراهنه، لا تسأل نفسك ما عليك أن تفعل، ولم، وكيف؟ ولا تسمح للأسئلة أن تنهمر، الطريق واحد تصوغهُ بطريقتك وأنت واقف أمام الخصم، وفي تلك اللحظة خصمك الحقيقي قلبك! إما هزمته أو هزمك.

سار بنا التحدي إلى ما لا يمكن فهمه، التحدي المكثف بالشجاعة و الإرادة يُحرر، يأخذنا إلى 14 فبراير، والروح تلتمس ذاك: إنه ينتظرنا بكل عنفوان. وهو وكل ما علينا فعله و لن يزعجهُ الخصم، وليته يكف عن ذلك. كان الناس واعين تماماً أن لا ينزلقوا في مواجهة تحرفهم عن مسار العزاء. كان التحدي هو أن لا يمنعنا أحد من ممارسة شعائرنا: إنها خطنا الأحمر، ودونه الموت. لكن خارج هذا التحدي لم تكن هناك أية نية بمواجهة قوات الأمن المدججة.

انسحبت القوات تدريجياً خارج منطقة مسار العزاء، كان ذلك مفاجئاً وغير متوقعاً، شعرنا بزهوة كبيرة، تشبه تلك التي شعرنا بها عند انسحابهم من الدوار في 19 فبراير 2011، كان شعوراً عارماً بالعودة إلى ميدان الحرية الذي يقع على بعد مسافة قصيرة منا، العودة إلى ذلك التاريخ، إلى تلك الأيام التي لم نعش طعماً للحرية إلا فيها. شعرت بأنني عدت إلى هناك مباشرة.

تركنا أعيننا تنقل كما العدسة، نقلت المشاهد إلى العقل لكي يترجمها وينقلها إلى الذاكرة، حيث تخزَّن إلى الأبد، لكن العدسة متوحشة وطماعة تلتقط وكأنها في جوعِ دائم.
ولا ضابط للانفعال المحصور بين القلب والقلب المتعب، دعه ينبض، من روحك و من عزمك. دعه ينبض بـ"التحدي".. كسرت الخوف من أول خروج لك في 14 من فبراير 2011 وليكن 1/1/2014 هو عام "التحدي" في المعركة القادمة، وفي "العنف" المراد إساقطك فيه بـ"الوعي".. هو خيارك في قادم الأيام.

* ناشطة بحرينية.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus