لقد شتمونا، يا بسيوني

نادر المتروك - 2011-07-04 - 8:16 ص

 

نادر المتروك*


ماذا سيفعلُ الشتّامون بأطنان البذاءة وقلّة الوطنيّة التي نشروها خلال الأشهر الماضية؟ انتشى البعضُ عندما رأى بطشَ الدّبابات والأسلحة النّارية ينتشرُ في الطّرقات ويُلاحق المتظاهرين بلا رحمة. أعطاهم هديرُ الطائرات الحربيّة شعورا غرائزيا، وأوحى لهم أنّهم باتوا "المعادلة الأقوى" في حركة التّاريخ! حجمُ العنف اللّفظي الجارح الذي انتشرَ في كلّ مكانٍ تملكه السّلطة، وتدافُعُ كلّ الأصناف والأحجام والفئات للمشاركة في حفلات الشّتم والتّشفي.. كان نتيجةً فادحة لإحساس موهوم بالغلبة وإحكام السّيطرة، وإلى الأبد! كانوا يكتبون أسوأ الأوصاف والتّصنيفات، ويوزّعون اتهامات الخيانة والعمالة على الآخرين. لم يراعوا لا سياسة، ولا عادات، ولا التزامات العيش المشترك. ما الذي سيفعله هؤلاء الآن؟ ثمّة خياران شريفان: إعلانُ الاعتذار، أو المضي في "الإساءة المُحسّنة". أم الخيارات غير الشّريفة فلا تُحصى.      

خارطة الشّتامين والمخوّنين في الأحداث الأخيرة كانت جزء أساسيا من عمليات التطهير والقمع الممنهج. سوف يكون مهماً ل"لجنة بسيوني"-برغم الملاحظات عليها- أن تأخذ بعين الاعتبار هذه المسألة وهي في أوّل الطّريق. لقد اعتمدت الانتهاكاتُ المنظّمةُ التي عمّت البلاد اعتمادا جوهربا على الترويج المكتوب ووسائل الإعلام، وتم توجيه الإعلام الرسمي لتقديم الدّعم والمساندة الدعائية الكاملة، ومن اليسير الحصول على المواد البرامجية والإشهارات الملتفزة والكتابات الصحافية والخطب العامة، لفحْص ما فيها من انسجام – وأحيانا كثيرة، مزايدة– مع السياسة التطهيرية التي اعتمدها النّظام، لاسيما بعد إعلان الطّوارئ ودخول القوات السّعودية. كانت تلك المواد الإعلامية سببا في نشْر الفوضى داخل المجتمع، وبسببها امتلأت الإشاعات والأقاويل التي كادت تُشعل حربا أهلية بعناوين طائفية. وليس خافيا، أنّ تلك المواد الإعلامية والخطابية تولّت دورا ملموسا في التحريض على ارتكاب الانتهاكات وشعور المواطنين بالمهانة والاستهداف الدائم.   
   
المتوقّع أن يتولّى السيد بسيوني ولجنته التحقيق مع إعلاميين وصحافيين وخطباء الساحات العامة. ولكي تتمّ مهمّة التحقيق بحرفيّة، فمن الأفضل البدء بهيئة شؤون الإعلام التي كانت بمثابة "غرفة عمليات" مُواكِبة، وأحيانا مُدبِّرة، للانتهاكات. سيكون ذلك واضحا للجنة بمجرّد أن تنظر مثلاً إلى أرشيف برنامج الزّميل سعيد الحمد، والذي كان يُعدُّ بالتّعاون بين الهيئة وجهاز المخابرات، ولا ننسى أن المشير، القائد العام لقوّة الدّفاع، التقى بالحمد وأثنى على برنامجه المفتوح، وهو ما يعني الرّضا التّام عن كلّ ما ورد فيه من فظائع بحقّ المواطنين. يُفترَض أنّ خبرة أبرز أعضاء لجنة التحقيق لا يفوت عليهم ما يعنيه ذلك في ظلّ الأجواء الانتقاميّة التي سادت البلاد.

* كاتب بحريني              

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus