» تقارير
جوعى لكن ليس إلى الخبز وحده: أعطهم كرامة أعطهم ديمقراطية!
2011-07-04 - 7:42 ص
مرآة البحرين (خاص): الاقتصاد هو كل شيء لكن أيضاً هو لا شيء! لا يبدو أن هذه العبارة صحيحة في مكان أكثر منها في البحرين. إذ تلعب عوامل الفقر والمستوى المتدني للأجور والتمييز في التوظف والعطالة دوراً رئيساً في إشعال فتيل الأزمات، لكن الأزمات نفسها - حين تشتعل - سرعان ما ترتهن إلى العنوان السياسي. فيما يتراجع العنوان الاقتصادي إلى مرتبة متأخرة. في التسعينات، أشعلت مشاكل البطالة والفقر والتمييز والإسكان فتيل الاحتجاجات السياسية، إلا أن عنوان هذه الانتفاضة كان "البرلمان هو الحل".
ورغم أن ثورة 14 فبراير/ شباط لم تكن ثورة خبز، إلا أن البعد الاقتصادي كان لعبة أطراف عدة في هذا الحراك، بينما لعبة المتظاهرين في مكان آخر. كانوا يتطلعون إلى حكومة منتخبة يتم تداول فيها السلطة.
حقيقة المشكلة الاقتصادية
الهموم الاقتصادية في البحرين ليست حكراً عليها، فهذه مشاكل عامة ويمكن أن تعاني منها مختلف الأنظمة والدول في العالم. ما يخص البحرين ودول الخليج والعالم العربي، هو ببساطة، كيف كانت هذه الدول والأنظمة تواجه هذه المشاكل وتوفر لها الحلول؟ الحقيقة هي أن هذه الدول تعج بالخبرات الاقتصادية، وتستورد كذلك التجارب والخبرات من الغرب، وتضع خططاً تنموية متحمسة، مدعومة بإعلام لا يتحدث إلا عن المنجزات. لكن ذلك لا يجد له مكاناً على الأرض.
المشكلة الحقيقية في هذه الأنظمة، ليس أنها أخفقت في مواجهة الأزمات والمشاكل الاقتصادية، أو أنها لم تكن تدير اقتصاداتها باحتراف، المشكلة هي أن هذه الأنظمة هي من صنعت هذه المشاكل، وجّهتها، وتسببت بها. الفساد في هذه الدول "منظّم" وليس عارضاً، والدولة هي المستأثرة بالثروة، هي التي تعطي وهي التي تأخذ، هي التي تملك وهي التي تنزع، هي التي تختصم وهي التي تقاضي. هي في كل شيء ذي سلطة على المال؛ فهذه السلطة في هامشها الكبير جداً هي التي تبقيها "نظاماً".
نظام الاقتصاد في البحرين..افتراضي
بعد تدشين الإصلاحات مطلع الألفية، كان هناك معدل نمو اقتصادي كبير نسبياً في العقد المنصرم (وصل إلى 8%) لكنه ظل من دون أي أثر على الواقع الاقتصادي للمواطنين.
وعلى العكس تماماً، واجه المواطن معدل تضخم مجنون شمل قطاع العقارات منذ عام 2006، ومن ثم الأزمة المالية العالمية في 2008. في هذه الفترة أيضاً زادت نسبة العمالة الأجنبية، على حساب النمو الكبير في أعداد المواطنين الحاصلين على مؤهلات جامعية وخبرات تدريبية متخصصة، ما فاقم أزمة البطالة وجعل كلفتها أكبر. يقول أحد الاقتصاديين "لا أحد في البحرين يعرف معدل التضخم الحقيقي، إذ لا توجد سلة تضخم، كما لا توجد أرقام رسمية عن خط الفقر".
ويضيف "كثيرة هي المؤشرات على الخلل في بنية الاقتصاد، وتقوم السلطات بحجب المعلومات حتى عن مجلس النواب، كما يجهل المراقبون الاتجاه والشكل الذي يسير به الاقتصاد".
ويواصل وصف نظامنا الاقتصادي "تعاني الدولة من زيادة الكلف الاقتصادية في مقابل الفرص الضائعة في التنمية، وتفشل البرامج الاقتصادية إما لأنها غير واقعية أو لأنها غير جادة وعشوائية، كما يتعارض عمل الجهات المتعددة التي يفترض أن تهتم بالتخطيط". ويخلص إلى النتيجة التاليه "ليس ذلك لغياب المساءلة والرقابة فحسب، بل لأن النظام الاقتصادي في البحرين نظام "افتراضي"!.
لا يوجد سياسة اقتصادية، ولا يوجد اقتصاد سياسي في هذه الأنظمة، هذه المفردات وما يبنى عليها من منهج ورؤية، بحوث وتقارير ودراسات، تحليلات ومتابعات وتوصيات، هي مفردات مترفة وساقطة، هي مجرد أدبيات كان الأولى إهمالها، لأن الواقع ليس له أدنى ارتباط بها، ولأن المباني العلمية للاقتصاد لا تنتج التنظير و"الاستشراف".
"الحكومة" قبل البرلمان..في يد الشعب
في ما يسمى بمنتدى حوار التوافق، حضر البعد الاقتصادي بقوة، وليس من الساذج والهزلي فقط أن تبحث طاولة التسوية السياسية في البعد الاقتصادي، بل من السخيف جداً أن تستدعي مشاكل وقضايا المجتمع التي تسبب بها فشل النظام في إدارة الدولة، فلم يدخل أحد في أزمة سياسية ليطلب حواراً يستجدي فيه النظام لحل مشاكل الإسكان والبطالة أو الأحوال الشخصية.
السؤال ليس عن مستوى الخدمات، ومتطلبات المعيشة، إذ لم تعد المشكلة في الأساس مع ما تفعل الجهات المختلفة في الدولة، بل هي مع من يجب أن يقوم بذلك، وأن يكون مسئولاً عنه، ومفوضاً فيه. ليس هناك للمواطن أي دور في كل هذه العملية، ولا لمؤسساته التمثيلية، فكلها مفروضة علي من الألف إلى الياء.
يتحدث أحد المعارضين "قبل أن نطالب ببرلمان كامل الصلاحيات، للتشريع والرقابة، لا بديل عن أن تكون الحكومة نفسها في يد الشعب، لتمثل إرادته".
ويوضح "حين يدير المجتمع عملية التنمية والإصلاح الاقتصادي، عبر نظام مؤسسات مفوّض، فإنه سيتحمل المسئولية الكاملة عن سير الاقتصاد ومراقبة أدائه، وحينها قد أثق بأن هذا أقصى ما أستطيع الحصول عليه إذ كنت أنا من اختاره وصنعه".
مطلب الحكومة المنتخبة، هو مطلب ملح لا يقبل التأخير، وأي تسويات سياسية خارج هذا المطلب، لا يمكن أن تشكل حلاً، فليس بوسع الناس أن ينتظروا أكثر، ليروا ماذا ستصنع "سلطة المال" الحاكمة، كي توفر لهم أو تسمح لهم حتى، بتوفير لقمة عيش كريمة!.
إذا كانت هذه المجتمعات تعاني من التخلف في الإنتاج، رغم ما فيها من طاقات هائلة وعقول مبدعة، فإن ذلك لا يمكن أن يكون إلا لسبب واحد: هو أنها لا تملك إرادتها.