تأملات في معمار حركة 14 فبراير في البحرين

يوسف مكي - 2013-12-23 - 11:28 م

يوسف مكي*

في تعريفه للثورة واي حراك اجتماعي يقول ماوتسي تونغ زعيم الثورة الصينية : إن الثورة ليست حفل عشاء او كتابة مقال، الثورة انتفاضة وعمل عنيف . وهذا صحيح بوجه عام. إلا ان الثورة، أي ثورة ليست عملا عنيفا فقط بل هي معمار سوسيولوجي يتضمن مجموعة من العناصر المختلفة والمتضافرة من فن وابداع وثقافة وايديولوجيا وفنون وفكر واحلام. . . الخ  في الوقت عينه. 

وكما بقية الثورات العربية فإن الثورة البحرينية لها معمارها المتنوع الذي يتجاوز دائرة العنف لكنه يدخل ضمن دائرة العمل الثوري الابداعي على مختلف الاصعدة. وفي هذا المجال يمكن رصد مجموعة من عناصر البنية المعمارية لهذه الثورة. كالتالي:

اولا: استطاعت الثورة توظيف وسائل التواصل الاجتماعي وثورة المعلومات بطريقة ابداعية فيها كثير من الجماليات بحيث عجز النظام بكل امكانياته من مجاراتها ، ولا يزال عاجزا حتى الآن. حتى ان كيفية توظيف تكنولوجيا المعلومات والشبكة العنكبوتية باتت عنصرا فعالا في الصراع مع النظام. وخاصة تلك المواقع الاخبارية والمعلوماتية ذات الطابع الإعلمي وادعائي.

ثانيا: اصبح الفن الغرافيتي احد العناصر المهمة جدا في مسيرة الثورة. فمنذ 14 فبراير، باتت قرى ومدن البحرين مجالا رحبا لهذا الفن التعبوي والمعبر والذي اصبح النظام امامه عاجزا بحيث يمكن لمن يجول في مختلف مناطق البحرين وخاصة المناطق الساخنة يستطيع ان يمتع بصره بمختلف رسوم الغرافيتي ذات الطابع الثوري، وبعضها يتحدى النظام ويسخر من النظام، حتى ان بعض المناطق اصبحت متخصصة في هذا الفن ( قرية باربارمثلا ) اصبحت منذ بداية الثورة عاصمة الفن الثوري وذلك لما تمتاز به في هذا المجال من ابداعات شهد لها كثير من الصحافيين والمتابعين حتى على الصعيد العالمي. وانتشار هذا الفن ما كان له ان يظهر لولا الحراك الشعبي الذي فتق المواهب المتجاوزة لخطوط النظام الحمراء في هذا الفن.

ثالثا: المسيرات والاعتصامات والفعاليات التي ينظمها الحراك الشعبي في مختلف مناطق البحرين ودون إذن من النظام ويتم فيها (على سبيل المثال) تكريم عوائل الشهداء او الاعلان عن شعارات لمناسبة قادمة او الاعلان عن ايام مخصصة للاحتفال مثل عيد الشهداء او التضامن مع احد القيادات الثورية، وهي فعاليت ثورية اجتماعية سياسية ثقافية فكرية. وتحتوي على كثير من الثيمات الثورية من حيث التفاصيل.

رابعا: لقد اثبتت الثورة ان إعلامها الذاتي اقوى من اعلام النظام برغم بساطة الامكانيات ومحاولة النظام السيطرة على الفضاء الالكتروني. والشيء المثير للاعجاب في عنصر الاعلام الثوري هو السرعة والحرفية في نقل الاحداث ليس في الاماكن العادية بل في الاماكن الخطرة، وفي بعض الاحيان من اماكن عقر دار النظام، لدرجة انه يصعق من تسريب هذه المعلومات او الصور وكيف تم ذلك. مما يعني ان عنصر الاعلام في معمار ثورة البحرين مهم جدا ويشكل نقطة قوة في مواجهة اعلام النظام، ويعبر في نفس الوقت عن طاقات شبابية لا يستهان بها في هذا المجال. 

خامسا: من يتابع ابداعات الثورة على الشبكة العنكبوتية سيجد الكثير من الرسومات واللوحات والصور المعبرة عن الاشخاص الشهداء والمسجونين والمناضلين  وكذلك عن المناسبات الثورية، كما سيجد الفنون الكريكاتورية والمبدعين في هذا المجال امثال الفنان علي البزاز ، هذا فضلا عن المعارض التي تقام في لحظات سريعة من الزمن لاحياء مناسبة او التضامن مع سجين، هذا فضلا عن المجسمات والاشكال الفنية. 

سادسا: ولم يكن التصوير الفوتغرافي او التصوير بالفديو والسينما والافلام باقل من بقية العناصر المعمارية، بل هي فنون وابداعات في المركز من المعمار الثوري ، ويكفي المرء ان يتصفح الانترنت ليشاهد فن التصوير الفوتغرافي ومدى الحرفية والقدرة على توظيف هذا الفن لخدمة الثورة، هذا فضلا عن فن افلام الفديو وتصوير الاحداث اولا باول او نشرها بعد مونتاجها على اجمل ما يكون او نشر صور الشهداء والمطاردين والمعتقلين وبطريقة تعبيرية. ولأهمية هذا العنصر المعماري في الثورة  قامت السلطة بحملة اعتقالات في اوساط المصورين والفوتغرافين، ولا ننسى كمثال في هذا السياق المصور المبدع احمد حميدان وغيره من المصورين الصحافيين كمازن مهدي، هذا فضلا عن البرنامج التلفزيوني المتميز والساخر (شحوال) للكاتب المبدع والساخر فيصل هيات.

سابعا: ومن معمار حركة 14 فبراير يمكن للمتجول في انحاء قرى البحرين ان يرى بعينيه اللوحات الكبيرة والصغيرة وقد لصقت عليها الاعلانات والبوسترات واليافطات الداعية للثورة او الداعية لفعالية هنا اوهناك  او المثمنة لدور هذا القائد او ذاك، وكذلك اليافطات والصور والبوسترات التي تصور الشهداء والمسجونين وقيادات المعارضة او تصور شخوص النظام بشكل ساخر او معبر عن مدى السخط عليهم من جراء القمع، او تبرز ظلامة هذا الشعب الى العالم.

ثامنا: يضاف الى ذلك. الشعارات المنطوقة والمكتوبة والهتافات التي تؤكد صمود الثوار والثائرين وتثمن تضحياتهم وترفع من معنويات الجماهير . وفي هذا السياق يمكن الاشارة الى العبارات التي ترفع من شأن قيادات المعارضة وخاصة اولئك المسجونين من قبيل (عبد الوهاب يبو حسين يفديك شعب البحرين) او (شهداؤنا مشاعل الحرية) وغيرها كثير ، هذا فضلا عن الشعار التاريخي المشهور (هيهات منا الذلة) أي لا يمكن ان نقبل بذل آل خليفة مهما كانت التضحيات، بالاضافة الى الهتافات المسقطة لرموز النظام. من قبيل (ماضون في اسقاط النظام الملكي الفاسد).

تاسعا: وكما انجبت الثورة مناضيليها وسياسييها وابداعاتها، فإن ابداع الشعر والشعراء كان لهم نصيب في هذا الحراك، وهذا ما نلحظه في المناسبات الاحتفائية والاحتفالية التي يقوم بها الثوار في القرى حيث يكون للشعر والشعراء نصيب في الاعلاء من الروح الثورة عن طريق الشعر الثوري المرتبط بالمناسبات. فأي مناسبة لا تخلو من قصيدة شعرية بلسان احد الشعراء المتمزيين  والثوريين حيث اصبح للثورة شعراؤها. يشحذ من خلاها همم الثوار من جهة ويمجد فيها من استشهدوا من جهة اخرة، ويؤكد للمحتجين بانهم سائرون على الدرب.

عاشرا: الى كل ذلك لا يغيب عن البال قدرة الحراك الشعبي على توظيف الميراث الثوري العالمي ، خاصة الاشتراكي، كما هو واضح في توظيف صورة الثائر الارجنتيني الكوبي الاممي تشي غيفارا، كأيقونة للثورة البحرينية، واستلهاما لمناقب هذا القائد الاممي في مقارعة الظلم. وكأن الثوار يلتقون في كل مكان رغما عن الجغرافيا والاديان والمذاهب والايديولوجيا. 

هذه بعض جوانب معمار ثورة 14 فبراير، في حين ان هناك جوانب اخرى من قبيل ازدهار فن الخط العربي والانجليزي (كالغرافي) حيث برز فن الخط العربي في ابهى صوره على الجدران وفي كل مكان تقريبا من البحرين مما يدل على ان الثورة هي بمعنى من المعاني ثورة في الفن والادب ومختلف الفنون، وليس في السياسة فقط . انها ثورة فنون الثورة ازاء فنون النظام.

هذا الواقع المعماري الجدي لم يستطع النظام ان يهضمه او يستوعبه، فما كان منه إلا ان سلط عنفه العاري والمكشوف من اجل الغاء وقمع كل ما لا ينتمي الى دائرة القبيلة او الفن السلطوي.
ومع ذلك ظل الحراك حيا قويا على امتداد اكثر من سنتين ويزداد توهجا وتجذرا . إنه صراع بين الحراك الشعبي من ناحية والنظام هذه المرة  من جهة اخرى ولكن على جبهة الفكر والفن والادب  واثقافة وكل ما هو جميل. 

باختصار إن الثورة بما هي كذلك تؤسس لثقافة مغايرة لثقافة النظام من اهم سماتها الثورة على ما هو سائد وفي مقدمة ذلك الثورة على ثقافة النظام واهل النظام. 
هذه مجرد بانوراما في كتاب الثورة البحرينية من خلال ايضاح بعض الجوانب المعمارية في بناء ثورة 14 فبراير. واخيرا ان ما يدور في البحرين من صراع انما يؤسس لمرحلة جديدة على اكثر من صعيد، قد تأخذ وقتا في انبلاجها ، لكنها في كل الاحوال قد بدأت تسير كالقاطرة بطيئة في البداية لكنها تحث الخطى شيئا فشيئا.

*باحث بحريني في علم الاجتماع .


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus