الاتحاد والقمة الخليجية
إيمان شمس الدين - 2013-12-12 - 8:02 م
إيمان شمس الدين*
إن المطالبة المتكررة بالاتحاد الخليجي كانت ومازالت أسيرة رغبات الأسرة الحاكمة في الجزيرة العربية، فكلما شعرت بتقدم دول في المنطقة استراتيجيًا، ولعبها دورًا محوريًا إقليمي، أو في حال حراك أي شعوب ضد أنظمتها، كما حدث في مصر وتونس والبحرين، تجدهم يهرولون لعقد اتفاقيات، والدعوة لاتحاد، وقبلها كونفدرالية، لكن كل أساسها منطلق من ثقافة الفوبيا من أمور أهمها:
- اللعب على التمايزات المذهبية لعزل شعوب الخليج عن ما تحققه دول من تقدم، أو ما تحرزه من إنجازات بعيدة عن التبعية ومتكئة على الاكتفاء الذاتي، أو خوفًا من الانكشاف أمام إنجازات الانتصار على الصهاينة.
- الخوف من انتشار عدوى الحرية والثورة الشعبية إلى شعوبها، خاصة مع تقصير تلك الأنظمة وحكمها لشعوبها بالطريقة الرعوية أو الأبوية، والتي يغلب عليها الفهم القبلي، والتوارث الأموي في السلطة، في زمن باتت الشعوب في المنطقة لا تقبل بأقل من الشراكة في القرار وصناعة التاريخ.
- تهميشها استراتيجيًا، وإعادة خلط أوراق المنطقة بما لا يناسب هواجسها الوجودية.
وغالب هذه الدعوات يرتكز على الأمن والعسكر، ومزيد من التضييق على الحريات، ومزيد من القبضة الأمنية ضد الشعوب. أما إنجازات على مستوى التنمية البشرية والتعليمية والاقتصادية، وهي مرتكزات أي تطور، فلا تجد لها أثرًا إلا كحبر على ورق، وليس كقرارات، بل كاقتراحات قدمت من باب ذر الرماد في العيون المتابعة للحدث، كي لا يقال أن الهدف أمني وجودي ضد الشعوب.
فالثورة البحرينية النموذج، الماثل أمامنا بكل تفاصيله، على مستوى كيفية مواجهة ثورة سلمية جل مطلبها الديموقراطية، يكون الشعب البحريني شريكًا في الحكم، كشفت عن منهجية تفكير قبلي وراثي جل همه السلطة، وليس هناك مكان فيه لقيمة الإنسان كإنسان ولكرامته، أو على مستوى قتله كنموذج في المنطقة.
فاستمرار مسلسل القمع والتعذيب من جهة، والوقوف في وجه أي تسويات ووساطات سياسية من جهة أخرى، كي لا يتحول النموذج البحريني الثائر إلى منهج تقتبس منه الشعوب الخليجية آليات للثورة والرفض، فمذهبته بداية ثم قمعته ليتم قتله كنموذج، وهو دلالة على عقلية القبضة الأمنية في مواجهة أي حراك شعبي يدعو للتحرر، وهو ما يثبت منهجية التفكير في قيادات بعض الدول الخليجية الكبرى.
الحقيقة هو أن نجم هذه الأنظمة بدأ بالأفول واقعًا، أمام ثبات محور المقاومة، الذي يضم كل الأطياف مذهبيًا وطائفيًا وفكريًا وحزبيًا، إلا أن سلاح الضعيف دومًا هو اللجوء والتركيز على نقاط الضعف في وعي الأمة وهي الدين، واللعب على هذه التمايزات وتحريكها عاطفيًا، بعد أن كرست المبدأ القبلي المتحالف مع المذهبية، ورسخت جذور التعصب في هذا الوعي، فتلجأ له كلما حوصرت في زاوية الوجود والكينونة، فتشهر سلاح الفرقة في وجه أي مشروع وحدوي وأي محاولة نهضة عقل أو وعي هوية للأمة، حتى تشتت الجهود والأفكار، فتزكم الأنوف برائحة الفتنة المذهبية القذرة، لتستنشق هي وهم الأبدية لسلطة مأزومة تحمل في أحشائها أسباب زوالها.
وما نحتاجه اليوم أمام هذا الوضع هو حركة الشعوب في هذه المنطقة لتطالب بالتغيير وحقها كشريك في الحكم والقرار، كي تجبر تلك الأنظمة الحاكمة لها للبدء بإصلاحات حقيقية في أنظمة الحكم، لتتحول من وراثية إلى أنظمة دستورية يكون الشعب فيها مصدر السلطات.
فلم تعد تفيد لغة المذهبة في عصر العولمة، الذي يشهد تقدمًا أوروبيًا زاهرًا بعد سنوات عجاف فيه من الاقتتال المذهبي لم يحصد منه إلا التخلف، وحينما تجاوزت هذا التعصب المذهبي تحولت للانتاج والتطور على كافة المستويات، وأمام براغماتية أمريكية في التعاطي السياسي مع إيران، العدو التاريخي لها بعد قيام الثورة الإيرانية، والذي طالما أثارت مخاوف دول الخليج منه وباعت أنظمته الأسلحة بحجة الحفاظ على الأمن في وجه إيران، لتعترف بعد ذلك بها كدولة نووية ومحور إقليمي لا يمكن تجاهله، بينما تبقى كثير من دول الخليج تعيش وهم الإيرانوفوبيا، وتوهم شعوبها بذلك بحجج مذهبية لتكرس من سلطة وجودها.
*كاتبة كويتية.