"محكمة السلامة" تغلق أبوابها بلا شرف.. ومرسوم ملكي يجيز الطعن في أحكامها

2011-06-30 - 6:36 ص



مرآة البحرين (خاص): أسدل الستار اليوم على آخر فصول محكمة السلامة الوطنية، المحكمة العسكرية الخاصة، التي أنشئت خصيصاً لمحاكمة أكبر عدد ممن شارك في حركة 14 فبراير/ شباط المطلبية. وأعلن الملك حمد بن عيسى آل خليفة اليوم عبر مرسوم ملكي إيقاف العمل بمحكمة السلامة الوطنية وتحويل قضايا الأحداث إلى المحاكم العادية، بما في ذلك القضايا التي لا زالت تنظر أمامها.

وحول دلالات ذلك، قال المحامي محسن العلوي "يجب أن تقرر محكمة السلامة الوطنية بدءاً من يوم غد إحالة القضية الجنائية المتهم فيها الطاقم الطبي - الذي لا زالت كوادره قيد التوقيف - إلى المحكمة الجنائية العادية" أو قد تحال القضايا من دون أن تعقد الجلسات القادمة.
وذكّرت هذه المحكمة بالتاريخ الأسود لمحاكم التفتيش والحملات المكارثية في الخمسينات، إذ رفعت أمامها الكثير من القضايا الكيدية المتصلة بحرية الضمير، وإدانة المتهمين بناءاً على قناعاتهم.

وفي حين كان مرسوم السلامة الوطنية الذي أثار جدلاً حقوقياً وقانونياً واسعاً، لا يجيز الطعن في أحكام محكمة السلامة الوطنية الاستئنافية بأي وجه من الوجوه، أصدر لاحقاً مرسوم رقم 48 الذي أدخل تعديلاً على هذه المادة لإجازة الطعن في أحكام الإعدام فقط أمام محكمة التمييز بما اعتبره قوة القانون. وأُعلن هذا المرسوم في المحكمة نفسها على لسان القاضي، وذلك لتخفيف وطأة الأحكام التي أيدت إعدام اثنين من المتهمين بقتل الشرطيين، ولأن الأحكام كان يجب أن تنفّذ خلال 15 يوماً من تاريخها.

وجاء في المرسوم الصادر اليوم تعديل آخر ألغيت بموجبه هذه المادة نهائياً، لإجازة الطعن بشكل مطلق في جميع الأحكام التي صدرت من محكمة السلامة الوطنية الاستئنافية أمام محكمة التمييز. وعليه ستكون أحكام المؤبد التي صدرت بحق المتهمين في قتل الشرطيين غير نافذة، رغم أنها كانت إلى جانب الكثير من الأحكام الأخرى أحكاماً نهائية وقد نفّذت بالفعل.

في هذا السياق، قال محامون إنهم سيطعنون "أمام محكمة التمييز في دستورية ومشروعية محكمة السلامة الوطنية وعدم اختصاصها بالنظر في هذه القضايا"، كما سيدفعون "ببراءة موكليهم لفساد المحكمة في الاستدلال باستنادها على اعترافات المتهمين المنزوعة بالقوة أو على شريط فيديو غير واضح (قضية الدهس)".
واعتبروا أن "الأدلة في مجملها فاسدة، وكذلك لتقصيرها في بيان أسباب الحكم، وكونها أخلت بحق الدفاع إذ لم ترد على جميع دفوعه، وفي كل ذلك مخالفة للقانون تستوجب إلغاء الأحكام" بحسب المحامين.

ويأتي مرسوم اليوم رقم 62 ضمن سلسلة مراسيم ملكية أبرزت يد النظام المطلقة على القانون، إذ أسست محاكم خاصة وأصدرت قوانينها ثم أجرت التعديلات على هذه القوانين متى تطلب الحدث، وفي فترة قياسية، رغم أن ذلك تجاوز واضح وغير مبرر للدستور وللسلطة التشريعية، ولا يمكن اعتبار هذا المرسوم مراجعة لقانونية وصلاحية محاكم السلامة الوطنية المخالفة للدستور، ما سيستدعي إعادة للتحقيق والمحاكمات مجدداً، إلا أنه لا زالت هناك فرصة لتدارك ذلك، إذا أمكن ضمان استقلال ونزاهة محكمة التمييز.

ويأتي هذا التطور كاستخدام سياسي جنباً إلى جنب مع تشكيل لجنة التحقيق المستقلة في انتهاكات حقوق الإنسان، لترقيع صورة النظام في المحافل الدولية، بعد الإدانات الواسعة للمحاكمات العسكرية، واعتبارها فاقدة للعدالة والشرعية، واتهامات وجهت للنظام بانتزاع الاعترافات من المتهمين قسراً تحت التعذيب، واعتبار محاكمة الناشطين والمتظاهرين اضطهاداً سياسياً على لسان المفوضة السامية لحقوق الإنسان والمنظمات العالمية الأخرى.

ودفعت أجهزة الأمن بالكثيرين إلى هذه المحاكمات الصورية، بعد استهدافهم على الهوية، إذ كانت أسماؤهم تكفي للاشتباه بهم في نقاط التفتيش، كما استهدف كل من كان له ظهور إعلامي، أو نشاط سياسي أو حقوقي ملحوظ، إضافة إلى الوشايات والصور التي زجت بكثيرين للسجن لمجرد أنهم رفعوا لافتة أو تواجدوا في دوار اللؤلؤة مركز الاحتجاجات التاريخية في فبراير/شباط الماضي.

إلى ذلك، انتقد مراقبون "التوجيه السياسي للقضاء من السلطة الحاكمة والتحكم به علناً وبشكل مكشوف" معتبرين أن "الإفراج عن محكومين ومتهمين من منتسبي القطاع الرياضي، دون حكم قضائي، دليل فاضح على تسييس القضاء، وعدم استقلاليته، واعترافاً ببطلان المحاكمات وكيديتها، وأنها جاءت بسبب تعبيرهم عن رأيهم السياسي فقط".
وينسحب ذلك على قرار الإفراج عن بعض الأطباء وغيرهم رغم رفض المحكمة طلب الدفاع الإفراج عنهم في جلسات سابقة.

وفي حين فشلت هذه المحاكم بتجريم الحركة السياسية وتثبيت اتهامها بالعنف، تسببت على العكس من ذلك بفضيحة أخلاقية للنظام وإدانته أمام الرأي العالمي، عوضاً عن فشلها في التغطية على حملته التي شنها لقمع الاحتجاجات السلمية.

ورأى مراقبون أن النظام وقع في مأزق سياسي وحقوقي كبير حين حاكم المحتجين، وكان مأزقه أكبر حين أفرج عنهم بهذا الشكل، وبدا النظام يبحث عن أي مخارج سياسية وقانونية لإنهاء قضية المحاكمات، بعد أن زادت ورطته حين سد الشارع الموالي باب العفو عليه، وهو يدفع ثمن التحريض الطائفي الذي أججه ونتج عنه تيار مفتتن ومتشدد يرفض أية مبادرات تصالحية.


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus