تسوية القراصنة
عادل مرزوق - 2011-06-28 - 10:04 ص
عادل مرزوق*
عديدة هي المواقف التي يقف فيها المتخاصمون عند التسوية ببلادة وترقب ولربما بشيء هو أقرب ما يكون إلى التمنع. لا يقبل الطرف القوي بالتسوية وهو قاب قوسين أو أدنى من الإجهاز على خصمه وتحقيق المستوى الأعلى من المكاسب، ولا يقبل الطرف الضعيف بها حين يرى تفاصيل التسوية مجحفة أو غير قادرة على رد ولو جزء يسير من اعتباره المفقود إثر ما لحق به من ظلم وإجحاف.
لا قدسية مطلقة لمفهوم التسوية، ورغم ما تحمله مضامين "التسوية" و"الحوار" و"التوافق" من إيحاءات إيجابية إلا أنها قد تحمل في طياتها – في النسخة البحرينية خاصة - ما هو تكريس للظلم أو إبقاء مجحف للأوضاع المنافية لأبسط ما أقرته الشرعية الدولية للإنسان من حقوق. وفي تاريخ الدول والحضارات، لدينا العديد من المشاهد التاريخية التي قدمت لنا تسويات لم تكن أكثر من مجرد عمليات إنقاذ وتجميل لأنظمة سياسية متصلبة معادية لأسمى قيم الإنسانية. تسويات لم تعد للمظلومين حقوقهم بقدر ما وفرت للجلادين من حماية، وما أضافت لهم من مميزات.
اليوم في البحرين، وبعد أكثر من ثلاثة أشهر من العنف الهمجي والانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان والتجاوزات الخطيرة لكل المواثيق والمعاهدات الدولية التي وقعت حكومة البحرين عليها وتعهدت الالتزام بمضامينها، اليوم وبعد أن كسرت الدولة التوافق المجتمعي بين مكوناتها وبعد أن سممت الوحدة الوطنية بأكاذيبها ومسرحياتها ومحاكماتها للنخبة البحرينية في شتى القطاعات، ها هي الدولة تقدم تسويتها الخاصة لتطوي صفحة الوجع والألم المفتوحة كما طوت سابقاً صفحة التسعينات المؤلمة عبر ميثاق العمل الوطني. دورة تاريخية جديدة من الكذب والمراوغة والخداع، ودون أية ضمانات حقيقية.
حين توحشت الدولة في السادس عشر من مارس/ آذار الماضي لتغتال الشعب ولتنكل به لم تحترم الدولة ميثاق العمل الوطني أو حتى الدستور المنحة (دستور 2002). وهو ما يؤكد أننا نتعامل اليوم مع نظام مراهق وغير مؤهل ولا يمتلك أي سمة من سمات النضج. وإلى اليوم، لا فاعلية حقيقية لأي مؤسسة من مؤسسات الدولة ولا حاكمية لأي قانون من قوانينها، ثمة عصابات تتحكم بمفاصل الدولة وإجراءات غير قانونية تحكم البلاد وتسير بالمجتمع البحريني نحو المجهول.
لقد تقرصنت أجهزة الأمن الوطني ووزارة الداخلية وعصابات الجناح المتشدد من العائلة الحاكمة على ميثاق العمل الوطني وضربت بحاكمية مؤسسات الدولة وقوانينها عرض الحائط بمباركة مجلسي النواب والشورى الفاقدين للشرعية. تقرصنت الدولة وخالفت وعبثت بالدستور والقانون أكثر مما عبثت وخالفت وتقرصنت في التسعينات من القرن الآفل. وللأمانة التاريخية أقول: لا تبدو المشكلة مقتصرة على القبول بهذه التسوية المزيفة أم لا؟، بل هي في القدرة على الثقة بهذا النظام الذي أثبت – أكثر من مرة – أنه لا يحترم أياً من مواثيقه أو عهوده، والأكثر من ذلك، أنه لا يستطيع أن يحترم حتى القوانين التي يضعها هو لتنظيم دولته. لقد كانت السنوات العشر الماضية وما حوته من شعارات وانتخابات وحريات ملفقة كانت أكبر كذبة صدقناها في تاريخنا السياسي قاطبة، ولقد كشف لنا السادس عشر من مارس/ آذار الماضي وما تبعه من حوادث حقيقة الدولة، وحقيقة الحكم.
نحن أمام مفترق طرق تاريخي، مفترق طرق واجبنا فيه البحث عن تسوية دائمة ومستمرة لهذا الوجع الذي بلغ من العمر أربعين عاماً. ملكية دستورية حقيقية تتوافق وما يحلم به أبناء البحرين سنة وشيعة ومسيحيين ويهود، ملكية دستورية تحفظ ما تبقى من الأرض وخيراتها لأجيالنا القادمة التي قد لا تجد ما تأكله إن استمرت هذه السياسات الفاشلة في استثمار موارد البلاد، ملكية دستورية تبني مؤسسات وقوانين دولة محترمة لا دولة قراصنة أو بلطجية تجوب القوات الأمنية فيها الشوارع لتطلق النار على المواطنين. ملكية دستورية يحكمها قضاء عادل وقانون نافذ. ملكية دستورية تؤسس لدولة مدنية تؤمن بالتعددية والمساواة أمام القانون بين جميع مواطنيها. ملكية دستورية مدنية، لا جمهورية إسلامية شيعية ولا دولة إسلامية سنية. ملكية دستورية مستقلة، لا تحكمها إيران ولا السعودية.
* كاتب بحريني