ليس بديلا عن مجلس تأسيسي، تغييب الإرادة الشعبية بمجلس شورى معين من 300

عباس بوصفوان - 2011-06-25 - 6:42 ص


عباس بوصفوان

في الوقت الذي يريد الرأي العام إلغاء الامتيازات التشريعية لمجلس الشورى، وحصر التشريع في المجلس المنتخب، تُجمّع السلطات 300 شخص باعتبارهم مجلس شورى موسع وكبير، تحت مسمى حوار التوافق الوطني، ويطلب منهم التوقيع على بيان معد سلفا للخروج من الأزمة المتفاقمة في البحرين.
ونحن نعرف الآن من خلال التجربة والواقع أن اختيار أعضاء المجالس الشورية، يتم بطريقة لا تتم بصلة إلا إلى معيار الولاء الأعمي لصاحب القرار. كما نعرف أنهم غير قادرين إلا على البصم على رؤى من عينهم.

  "تعينات أعضاء مجلس الشورى تتم
بناء على معايير خاصة، ومنها أن العضوالمعين
يستجيب للتوجيهات الصادرة من المكاتب الخلفية".

الشيخ عباللطيف المحمود
زعيم تجمع الوحدة الوطنية، القريب من الخط الرسمي

في هذه الحالة نحن لا ننظّر، ويمكنني القول بأن معظم من أعرف من حكوميين: سياسيين، إعلاميين، تكنوقراط، وحتى الكثير من أعضاء مجلس الشورى أنفسهم، يتفقون على أن مجلس الشورى الحالي لا يقدم ولا يؤخر لجهة تمثيل القرار الشعبي، ولجهة الإمكانات المحدودة للكثير من أعضائه، وكذا لجهة غياب، بل انعدام، تأثيره في قرار الدولة، إذ هو يسير بحسب إرادة "الأجهزة"، وهو ما ينطبق على مجلسي الشورى في 2002، و2006، علما بأن التعيين كفكرة باتت منبوذة أصلا لتشكيل المجالس التشريعية.


لا مجال حقيقة لمجلس شورى آخر، حتى لو سمي حوار التوافق الوطني، يوقع نيابة عن الناس على مقترحات تعتقد الحكومة أنها ستخرجنا من الأزمة، وهي التي أدخلتنا فيها منذ عشر سنوات حين أصدرت من طرف واحد دستور 2002، وفاقمت الوضع بممارستها المشينة، واحتكارها للقرار السياسي والثروة القومية، وتضاعف حالات الفساد، والتمييز الممنهج.

ولا يغير من وضع تشكيلة ما سمي "حوار التوافق الوطني" أنه يضم 300 شخص، وقد يضعف ذلك فرصته لعمل حوار جاد.
إنه أقرب إلى مؤتمر، أو ندوة، كالتي ينضمها مجلس التنمية الاقتصادية، وتخرج بخفي حنين، وربما تقود إلى قرارات تؤدي إلى الوضع الكارثي كالتي عليه الشركات الكبرى الآن، طيران الخليج مثالا.

ولنتذكر أن ميثاق العمل الوطني أعده 40 شخصا اختارهم الأمير حمد (قبل أن يصبح ملكا)، والنتيجة ما نحن عليه الآن: آفتا الاستبداد والفساد تنهكان البلد.
في ذلك الوقت (2001) رفضت المعارضة تركيبة لجنة إعداد الميثاق كون أعضاؤها غير منتخبين ويمثلون وجهة النظر الرسمية، كما رفضت لاحقا نص الميثاق، الذي ضم عبارات قد يفهم منها تفويض الأمير ـ حينها ـ بتغيير دستور 1973 من طرف واحد، ومن دون العودة للشعب.

حينها، بدت السلطة راغبة في "الإصلاح"، وعرض الميثاق على استفتاء شعبي، يمنحه شرعية، واحتاجت إلى موافقة ودعم القوى الحية التي يثق بها الناس، وتم الدخول في حوارات ومفاوضات جادة بين الحكم بقيادة الملك مباشرة، والمعارضة بقيادة الشيخ عبدالأمير الجمري (رحمه الله)، والتوصل إلى نوع من التسوية بأن يصرح ولي العهد الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة ووزير العدل رئيس لجنة إعداد الميثاق الشيخ عبدالله بن خالد آل خليفة بأن مجلس الشورى سيكون للخبرة، وسينحصر التشريع في مجلس النواب المنتخب.

وبالفعل صرح ولي العهد بذلك (راجع الأيام، 5 فبراير 2001)، كما صرح الشيخ عبدالله بن خالد، والأهم أن الملك وقع على كلمة تضمنت حاكمية دستور 1973، ألقاها السيد عبدالله الغريفي في مجلس الغريفي في النعيم.

وترافق ذلك مع عفو عام، وإلغاء قوانين ومحاكم أمن الدولة، أظهرت الحاكم الجديد بأنه يحمل مشروعا إصلاحيا يجدر تشجيعه، مما أشعل حماس المعارضة لدعوة الشعب للتصويت بنعم للميثاق، لكن الشيخ حمد فاجأ الناس بإصدار دستور يحيله حاكما مطلقا، ويهمش الدور التشريعي للمجلس المنتخب.

 والآن، حين تطلب من بعض أعضاء لجنة إعداد الميثاق قول كلمة حق حول الدستور المخالف للميثاق، يأتي الرد: "كلام المعارضة صحيح، لكن ذلك لم يُدوّن في الميثاق الذي صوت عليه الناس، والتفاهمات التي حدثت ليس لها قوة القانون، والملك لعب لعبة سياسية، حتى لو أسميتموها خدعة"، هكذا بكل بساطة، دون التفات إلى أهمية الثقة والبعد الأخلاقي حتى في اللعبة السياسية.

وقد تم كل ما سبق والسلطة تتحدث عن إصلاح وعدالة ومساواة وشراكة شعبية، فلنا أن نتصور ماذا سيحدث بعيد صدور مقررات جلسات حوار التوافق الوطني، ونحن نرى رجالات الحكومة يغذون العنف كأن مسّا أصابهم.

ماذا يتوقع الناس من التركيبة المخلة لهيئة حوار التوافق الوطني، غير صدور قرارات تريدها الحكومة. صحيح أن بعض السيناريوهات تحتمل حدوث جملة إجراءات إيجابية، وإجراء تغييرات ما في هيكلة البرلمان، (راجع مقالتي بعنوان: مسودة الحوار الوطني، 19 يونيو 2011)، لكن الصحيح أيضا أن السلطة لا تبدو مستوعبة أن للناس حقا في أرضهم وثروتهم، والحق في أن يحكموا أنفسم بأنفسهم.

بالنسبة لي، إشكالية الحوار الحقيقية تنبعث أساسا فيما إذا كان النظام جادا في الإصلاح، ولا يفهم من مجمل الإجراءات الراهنة إلا عكس ذلك، لذلك فإن السؤال الجوهري الموجه للمعارضة لا يتعلق بحضور الحوار أم لا، بل بكيفية التعاطي مع رؤى حكومية تعتبر الناس رعايا، ومخططات مبنية على الاسئتثار بالثروة والسلطة. ذلك هو السؤال العميق المطروح على الوفاق: ماذا أنتم فاعلون تجاه برنامج كهذا؟

وفي العمق، فإن المسعى الرسمي لتشكيل جلسات حوار غير منضبطة مع أي معيار غير معيار الهوى الحكومي، يبدو التفافا واضحا على طلب المعارضة بتشكيل مجلس تأسيسي، يتم فيه الحوار المؤدي إلى دستور متوافق عليه، في ظل ما نعرف من حساسيات للسلطة في ذلك (راجع مقالتي: الشيخ علي سلمان لا يمكن إلا أن ينام وعينه مفتوحة، الوفاق أمام تحدي قبول الحوار، 21 يونيو 2011).

ولن يغير من جدوى الحوار حتى لو قاده ولي العهد، (راجع مقالتي: من أقصى ولي العهد خارج الحوار الوطني؟، 13 يونيو 2011).
الفرق كبير بين المجلس المنتخب والمجلس المعين، والأخير سيقود حتما إلى تغييب الإرادة الشعبية، وتغليب قرارات السلطة الأنانية والجائرة وضيقة الأفق، والتي ستقود حتما إلى ديمومة ثورة 14 فبراير.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus