علي داوود*

اختار المسئولون في البحرين والسعودية أن يظل الجسر الذي يربطهما درساً مفتوحاً لتعليم العابرين معنى "الهوية"، يرشدهم إلى أكثر العناوين التصاقاً بهم وهو عنوان "الطائفة" الذي سيصبح وحده جواز العبور من هذه القنطرة، وحده الذي سيشفع للعابرين ويهبهم القدرة على النظر إلى الطرف الآخر، فحتى اللحظة تبدو رغبة العبور متعثرة لدى البعض، رغم رفع الإجراءات الأمنية.

تتشابه سحناتنا، ألواننا، فيبحثون في الأسماء التي لا تهبنا الانعتاق من أمنيات أمهاتنا، فأسماؤنا حبلنا السري الذي لم ينقطع بعد، لذلك سيسند المفتش الأخير ظهره للشمس ويبدأ في القراءة، يقرأ درساً هو الأبسط في لحظة الولادة، لكنه على ما يبدو أكثرها صعوبة على مدى الحياة، هناك يصبح مكي وعباس وحسين ومهدي قدراً مساوياً للمنع من الدخول إلى البلد الآخر، ستذكر خرائط الوطن في الصفوف الدراسية، وأنت تحاول استيعاب ثقل الجواب الذي يأتيك ناقصاً، لأن الإجابة الكاملة تكتبها بقية السيارات العابرة من هناك دون منع ودون سؤال.

يخيل لك الوطن الذي تحيا فيه معسكر اعتقال كبير، يجفف فيك كل معاني الوطن التي حفظناها أناشيداً عن ظهر قلب، بيد أنها عرضة للهشاشة عند أول محطة اختبار، حين ينام الوطن فيك بالقوة، ولا يستفيق إلا في تحديقة المفتش البليد، يفتش في جسدك واسمك وكل الصور التي تعبر بنا إلى جسر الطوائف.

كان الجسر شريكاً في ارتباكات المشهد منذ بداية الأحداث، طرفاً في معركة مبنية للمجهول، يترنح بين فتح وإغلاق، قبل أن يطلق المشير إشارته بانتهاء إجراءات السلامة الوطنية، وتبدأ السيارات بالتلصص وهي تقترب من تلك النافذة التي باتت اليوم نصف موصدة، لتحكي عن حكمة الخائفين في البلدين، والتي أفضت إلى قرار مشترك غير معلن بتقييد العبور وتضييق المسرات على من لا تبرد فيهم أحزانهم.

بحرينيون يستغربون، هكذا تقول الصحف وهي تروي عن استمرار منع "البعض" تروي الحكاية وتبني أسبابها للمجهول، لأن الأسباب عصية على الإفصاح، لا أحد يريد أن يقول بأن الجارين الكبيرين قد اتفقا على منع عبور "الشيعة" لأسباب أمنية، لا أحد يجرؤ أن يكاشف السلطتين عن تمييزهما القائم على "الهوية" وعليه يفضل المسئول جعل القرار شأناً داخلياً، يحافظ فيه كل طرف على تفسيره الخاص لمعنى "جسر المحبة" الذي يحتمل الكراهية أيضاً.

في مثل هذا الشهر، اعتاد البحريني البسيط أن يقطع الطريق براً إلى مكة، ليرتدي البياض ويغتسل من همومه في السعي والطواف، وهو يطمع هذا العام أن يمد يده للسماء هناك، ويدعو للوطن، للبشر والحجر، بأن يكونوا أكثر رأفة بالإنسان، هذا الإنسان الذي انكسر مرات لكنه لم ينحني ، غير أن هكذا أمنية تبدو معطلة، لأن الحافلات حتى الآن لا تستطيع تجاوز قنطرة الفرز الطائفي، تتكدس تحت لهيب الشمس طمعاً في جواب يختصر المسافة إلى بيت الله، مثلها مثل سيارات أخرى تعددت مقاصدها، لكن المنع جعلها متساوية في الهم، لتكتمل بذلك فصول الحصار الذي يريد أن يذكر الناس دائماً بأنهم ليسوا أبناء وطن واحد وإنما أبناء طوائف متفرقة!.

* كاتب سعودي