إسقاط ورقة التوت

إيمان شمس الدين - 2011-06-18 - 10:23 ص



إيمان شمس الدين*
   

عادة ما تكشف الثورات الشعبية أو الحركات الإصلاحية  حجم الفساد المستشري بالأنظمة داخل حدود كل دولة، وتكون الثورة بمثابة القنطرة نحو الاصلاح لأنها تحدث حراكا في الوعي الشعبي وتثير في العقل الجمعي مجموعة تساؤلات لا تتبلور أجوبتها إلا من خلال إحداث حراك في الدولة يدفعها نحو الأمام على كافة المستويات. 

وما كشفت عنه الثورة البحرينية حقائق مهمة كانت بمثابة نذير خطر للأنظمة القائمة على أسس أقل ما يمكن وصفها أنها حجرية الفكر والمرجعية. 

فإن تطالب بمجموعة إصلاحات تطاول حتى نظام الحكم ومرجعيته فهي ليست خطوة نحو الأمام بل هي قفزة حقيقية نحو قيام دولة مدنية حديثة ضمن منظومة قائمة في داخل المنطقة الخليجية على أساس نظام حكم وراثي يتداخل فيه التعاقد القبلي مع الديني بطريقة تسيطر فيها على عقول الناس من جهة بطريقة التخدير الديني واستخدام سلاح الفتوى، وتشتري فيها الولاءات على أساس الانتماء القبلي ومدى الرضوخ لإملاءات العائلة الحاكمة من جهة أخرى. 

وهذه المطالبات تفاعلت معها الجماهير الخليجية خاصة في المناطق التي يمارس فيها تمييز مذهبي أو يوجد فيها خلافات على أساس الحدود أو الولاءات الخارجية، أو تعيش فيها الجماهير حالة فقر مع وجود الوفرة المالية ووجود الثراء الفاحش والطبقية فقط في صفوف العائلة الحاكمة أو من يواليها. 

لذلك استشعرت الأنظمة في منطقة الخليج خاصة تلك القائمة على نظام شمولي غير ديموقراطي بالخطر على وجودها، واستشعرت الدول الغربية أيضا الخطر على مصالحها ونشأت لديها هواجس سببها رياح التغيير التي ضربت المنطقة، ووصلت عدواها إلى منطقة الخليج العربي التي تشكل مصدر الطاقة المهم لها.  وتداعت بعد مرور أيام على الحراك الجماهيري المطلبي البحريني الدول الخليجية لا لأجل حماية الحكم في البحرين، وإنما من أجل حماية وجودها القائم على نظام التوريث، وعلى حماية المصالح الغربية والأمريكية، لذلك وجدنا تلك الدول رغم مناداتها بحقوق الإنسان وبالحكم الديموقراطي وقيامها على أساس هذه المنظومات، وهي منظومات مدنية حديثة، إلا أنها غضت الطرف ولمدة زمنية طويلة عما حدث ويحدث في البحرين من انتهاكات شديدة القمع لأن مصالحها تعرضت للخطر. 

حتى عبر أحد الناشطين الغربيين بعد اجتماع وزراء خارجية الدول الخليجية في البحرين بجملة هي:  "all for one & one for all " أي الكل لأجل الفرد والفرد لأجل الكل.  

ما كشفت عنه الثورة البحرينية،  هو تداعي هذه الأنظمة في منطقة الخليج، وبالتعاون مع الأنظمة الغربية وأمريكا، لا من أجل الشعوب وقيام دولة مدنية على أسس العدالة والحريات والحقوق، بل لأجل تكريس سلطة كل نظام على حدة وتشديد الخناق على الشعوب من خلال القمع والسجن والمحاكمة تحت ذرائع أمن الدولة، والتآمر للجم الشعوب عن مجرد التفكير بالتغيير أو الاصلاح الجزئي أو حتى المطالبة بأي حق، أو من خلال إحداث بعض التعديلات الشكلية او تقديم فتات مالي تسكت فيه صوت الشعوب الثائرة أي شراء ذمة الشعب بمال الشعب. 

وما التدخل الذي حدث في البحرين والقمع، إلا لأجل تأديب بقية شعوب المنطقة بالشعب البحريني. وقد تم استخدام كل الأسلحة اللاأخلاقية الممكنة، لإفشال الحراك المطلبي البحريني وأولها نظام اعتدنا عليه تاريخيا في تمكين نظام الحكم من الهيمنة وشراء الولاءات، وهو الخندقة المذهبية، فهي الخطوة الأولى نحو تفتيت المطالب من خلال تفرقة الصف الوطني، وتحويله إلى خنادق مذهبية يتمترس فيه كل مذهب وراء مطالباته وهمومه الخاصة. 

وبعد المذهبة تشترى الولاءات المخالفة لهذا المذهب من خلال تمييز كفة مواطنين على كفة أخرى اعتمادا على التمييز المذهبي وإخافة شركاء الوطن من شركائهم.  وبعد ذلك تأتي الخطوة الثانية، وهي استخدام القبضة الأمنية المشرعنة، من أجل قمع الحراك والتأديب وبرضى شركاء الوطن، وبحجج أيضا مذهبية، يشرعن فيها هؤلاء قتل النفوس، وسلب الحقوق لمجرد مخاوف وهمية من الشريك الآخر في الوطن. 

إلا أننا أمام عدة حقائق هي نتاج وحصيلة ما حدث في البحرين وهذه النتائج أو المعطيات والثمرات ستؤتي أكلها ولو بعد حين، وسيكون لها أثر واضح في إحداث تغييرات مستقبلية، وتقديم تنازلات واضحة من قبل أنظمة الحكم في المنطقة وأهمها على الاطلاق: 

1.تحرر الشعوب الخليجية من عقدة الخوف والولاء المزيف القائم على أساس الفتوى والتخدير الديني ووضوح الرؤية لدى كثير من الجيل الحالي في التمييز ما بين التزييف الديني وحقيقة ما يريده الله منا على الأرض، وهو العدل وحفظ الحقوق على أساس قيمي إنساني لا يفرق بين إنسان وإنسان آخر. 
2.الإصرار رغم كل وسائل القمع على التغيير نحو مزيد من الحريات والديموقراطية، وما يحدث اليوم في السعودية من تحدي النساء للنظام (الكنسي) في منعهن من القيادة إلا دليل واضح على إصرار الجميع من أجل التغيير. 
3.الخروج بقناعة وأهمها أن الوطن للجميع ولا يوجد تمييز بين مواطن ومواطن إلا على أساس الكفاءة وما يؤكد ذلك أن الحراكات المطلبية اليوم تعدت الشيعة في السعودية إلى كل فئات المجتمع ومن كافة شرائحه وأطيافه، وأيضا التحركات التي حصلت في الامارات وعمان هي تحركات واضحة على أنها مطلبية سياسية من كافة المشارب الفكرية. 
4.إحداث حراك في المياه الراكدة حولت قناعة الشعوب في حقها بالمشاركة في الحكم من خلال قيام دولة مدنية، تقوم على أساس دستور حقيقي ومؤسسات ويحكمها القانون لا شكليا بل عمليا في تطبيقه على الجميع دون فرق، وماعادت الشعوب تقتنع بالفتات الذي تعطيه الأنظمة بل هي تعلم أن هذه الثروات من حقها ويجب أن يتم استغلالها ولا يحق لعائلة أن تتحكم بمصير أمة وشعب. 
5.تحول واضح في وعي الجماهير الخليجية وهو ما ينبئ عن تحولات مستقبلية ستدفع بها إلى المزيد من الضغط على هذه الأنظمة من أجل تغيير حقيقي، قد يضطر هذه الأنظمة من أجل الحفاظ على وجودها أن تقدم تنازلات كبيرة لأجل التغيير.      

chamseddin72@gmail.com   

* كاتبة كويتية

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus