كان بوسعهم أن يكونوا أفضل وأجمل

محمد نجم - 2011-06-18 - 9:56 ص



محمد نجم *


كان بوسع الشقيقة الكبرى المملكة العربية السعودية أن تكون أفضل، مما كانت عليه في تعاملها مع الأزمة البحرينية، كان بإمكانها أن ترسل لشقيقتها الصغيرة مبعوثي النوايا الحسنة بدلا من الجنود والمدرعات، فهي بكونها العمق الاستراتيجي لدول الخليج العربي، وبما حباها الله من ثروات مادية، والأهم بما يوجد فيها من مكونات شعبية ونخبوية متنوعة من مختلف المذاهب والأطياف، وبما يربط هذه المكونات من شعبها بشيعة وسنة البحرين على السواء، رباطا مناطقيا وعائليا، كان بوسعها استثمار كبار مشايخها الشيعة والسنة في حمل رسالة الحوار وحسن الجوار، وكانت ستكون رسالة تاريخية لا ينساها شعب البحرين الذي أثبت أنه ينسى الإساءات ويغفرها، لكنه لا ينسى الأيدي الممدودة بالخير. 

كان بوسعها خاصة في ظل الملك عبد الله، وهي التي أضافت اللبنانيين على ما بينهم من شحناء الطائفة وكراهية الدم أن تستضيف أشقاءها الصغار الذين هانت مطالبهم – حتى لأدنى طماحٍ غير مضمون** – كما يقول الجواهري،  سواء في الطائف أم في القطيف وهي التي لديها من رجالات الدين من الطائفتين من خاضوا حوارات وطنية خلاقة مع بعضهم، فسبقوا البحرين وبزوها في تواصلهم، فكانوا أفضل من سلفيي البحرين وأفضل من آياتها الشيعة وليبرالييها بكسرهم لحواجز الطائفة والأيديولوجيا منذ زمن، كحوار الشيخين سليمان العودة وحسن الصفار مثالا، برغم ما واجهه الاثنان من إزدراء الأقربين، لكنه للأمانة الحوار الأول من نوعه، والذي لم تشهد البحرين مثله. 

فبرغم ما قد يتبادر لذهن البعض من الوهلة الأولى من تقدم البحرين على السعودية في التفاهم الحضاري بين مكوناتها، وادعاء البحرينيين الفارغ كعادتهم، عن سبقهم للسعودية والخليج في كل شيء، فإن العكس هو الصحيح، فمجتمع السعودية تعددي أكثر من البحرين وانفتاح مكوناته على بعضها أفضل من البحرين. 

حتى سلفيي السعودية اليوم، ولأنهم تجاوزوا مرحلة "الخرعة" من السلفنة، أصبحوا في اجتهاداتهم ومقارباتهم للآخر أكثر عقلانية واحتراما وتواصلا مع مخالفيهم بالحجة والمودة، وحتى ليبراليي السعودية يعنون بالدفاع عن كل من ينتهك حقه بغض النظر عن فكره. بينما يواصل السلف الصلف في البحرين تجاه مكونات شعبهم لكونهم مستجدين على "الشغلة"، فيتحالفون مع القمع  بذريعة "نار الحكم ولا جنة المعارضة". ويواصل الليبراليون التقدميون في البحرين "فوبيا ولاية الفقيه" في مقالاتهم التي تحررها المخابرات بالمضمون ويحررونها هم بالمفردات، ويواصل آياتها الشيعة الانحصار في صوامعهم، يضربون أخماسا في أسداس قبل أن يقولوا نعم أو لا.  كان بوسع السعودية أن تكون فعلا شقيقة كبرى لكل أهل البحرين، وأن تقول لإيران والعراق وأميركا اتركونا نقوم بدورنا في اللعبة، بما نملك من إمكانيات الدبلوماسية والصداقة والروابط، لكنها فضلت أن تكون لجزء صغير منهم فقط، متمثلا في مجموعة متشددة من النظام، فتدخل قواتها بالدبابات رافعة علامة النصر على معتصمين سلميين في دوار وسط العاصمة.  

كان بوسع نواب المستقلين والإخوان والسلف، وقد خرجت الوفاق أو أخرجت من البرلمان أن يزيدوا من عزلتها بتبنيهم قضايا ومظالم جمهورها، وبأن يقولوا للناس الآن وقد غادر نوابكم الوفاقيون البرلمان نحن هنا يعطينا الدستور تمثيل كل الشعب، فبغض النظر عن مطالب المعارضة وخلافها مع الحكم تبقى حقوق الإنسان التي يجب ألا تصادر تحت أي ظرف، وتبقون أنتم شعبنا ومسئوليتنا كنواب عنكم جميعا، لكنهم أبوا إلا أن يكونوا أكثر تشددا من الحكومة في الحكم على الناس ومصادرة حرياتهم، بل إنهم قاوموا كل توجه للتخفيف عن الناس وبدلا من حث الحكومة على إرجاع المفصولين، النائب محمود المحمود يهاجم منظمة العمل الدولية ومديرها.

كان مجموعة من المفصولين عازمين بحسن نية على التوجه بخطاب إلى النائب محمود المحمود بصفته رئيس اللجنة البرلمانية لحقوق الإنسان لمساعدتهم في تظلمهم من الفصل قبل أن يروعوا بتصريحه الذي أصبح مثار تندر المنظمات العمالية الدولية. وفي موقع آخر يواصل النائب حسن الدوسري الضغط على مديرة مدرسة البديع للبنات لتوصي بفصل المزيد من المدرسات.  كان بوسع الحزب الحاكم "تجمع الوحدة الوطنية" ووقد دخل الدوار في الكوما عقيب الهجوم، أن يقوم بزيارة تطييب الخواطر لبيوت سماهيج والدراز وسترة وأن يقول بفعله للوفاقيين نحن أفضل منكم في رعاية جراح شعبكم، وأن يفتح مكاتب للمظالم في القرى المنكوبة بدلا من فتح مكاتب لاستبدال العمال المفصولين بغيرهم تحت شعار "تطهير الشركات من الخونة". 

كان بوسع جمعية الصحفيين أن تعتصم – ولو تمثيلا – وتطالب بالإفراج عن كل سجين رأي سواء كان مدونا في موقع أم كاتبا في جريدة أم مصورا في جمعية أم ناشطا فرديا في العمل الإعلامي، لكنها اختارت أن تدين الوسط قبل القضاء وحصرت مسمى الصحفي في مجموعة محدودة اعتبرت حريتهم، هي فقط مقياس حرية الصحافة في البلد، وباركت الاعتقالات والتعديات الأخرى بوصفها من ضرورات الأمن والأمان في البلاد. 

كان بوسع الانتلجنسيا الليبرالية الغبية أن تكون في أقل صورها، كما هي الانتلجنسيا في الغرب التي برغم كل كراهيتها للإسلام والإسلاميين عقائديا، تعارض حملة الإسلاموفوبيا وتدافع عن حق الحجاب والنقاب وتطالب بتفكيك معتقل غوانتانامو، وتطالب بمنع الرقابة على الاتصالات. 

كان بوسع الحكومة ومؤسستها الوطنية لحقوق الإنسان ونوابها وأحزابها وصحفييها، أن يهمشوا المعارضة أكثر وأن يحلوا محلها، لو أنهم بغض النظر عن أصل المطالب التي رفعتها الاحتجاجات عالجوا الانتهاكات وحرصوا على ألا يضار بريء، ولا يقتل أعزل،، ولا تقطع لقمة ولا يصادر حق. لو أنهم فعلوا، لربما جنوا اليوم ثمار ذلك، بأن خلقوا للناس بديلا عن المعارضة، وهمشّوها بتوفير ما يغني عنها. 

لكنهم لم يتركوا للناس من ملجأ تسجل فيه قطع أرزاقها إلا نقابات العمال ولا ملاذا، توثق فيه قطع أعناقها إلا مكاتب الوفاق، ولا صلاة تسمع فيها ما ينصفها إلا جامع الدراز، ولا صحفا تكتب فيها شجونها إلا خارج البلاد. وبذلك فشلوا في عزل الوفاق، وحلفائها وزادوا الناس التفافا حول المعارضة من حيث أرادوا أن ينفض الناس عنها.  

*كاتب بحريني

**يا دجلة الخير قد هانتْ مطامحُـنا.. حتى لأدنى طماح ٍ غير مضمون ِ 

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus