من هو الجمهوري نحن أم أنتم؟

محمد نجم - 2011-06-14 - 8:13 ص


من مسيرة اسقاط الحكومة، الحكومة في مواجهة الوحدة الوطنية


محمد نجم*

في أيام الدوار المجيدة كان أبو شريف يصعد على منصة الناس بهيا بخصلة شعره الفضية ونحن نصافح يده المباركة. كانت تلهمنا ابتسامته الشجاعة التي تجعل ليبراليي زنقة زنقة من أسوأ نماذج اليسار الانتهازي الفاشي، أحفاد ستالين وتلاميذ ماوتسي تونغ صاحب الثورة الثقافية التي صارت مسبة في جبين البشرية لفرط ما فيها من المحو لإنسانية الإنسان، تجعلهم يتصببون خجلا حتى تفيض روائحهم الليبرالية من آباطهم فتزكم الأنوف لفرط ما يكذبون. كان جدي رحمه الله يقول يا ولدي أتعلم أن الرجال يحيضون وكنت يافعا فقلت كيف يا أبي؟ فقال: الكذب حيض الرجال.
 
لم يكن أبو شريف جمهوريا كما يصوره شرطة وإعلام قراقوش في جزيرة واقواق وتلفزيون "الغائلة" العربية. على العكس كان يحذرنا من وهم الجمهوريات. كان يقول لنا يا شباب أمامكم الأنظمة الجمهورية العربية هل ترون فيها نموذجا يحتذى؟ حكم الحزب الواحد والصوت الواحد والفرد الواحد وأن أسوأ الأنظمة الوراثية بما فيها مملكة البحرين على علاتها وسلبياتها أفضل من الجمهوريات العربية. كان يقول لنا شوفوا الملكيات والإمارات الوراثية الموجودة اليوم ترونها برغم كل ما فيها من ظلم وحيف أفضل من الجمهوريات.
 
واليوم وهو مغيب في سجون هذه الدولة التي لا أعرف ما أسميها أنا الذي أسأل سجانيه، قولوا لنا اليوم بالله عليكم مـَـن هم الجمهوريون نحن أم أنتم؟
كل ما تقومون به لا تقوم به الممالك بل الجمهوريات. كل ما تفعلونه ماركة مسجلة للجمهوريات العربية وليس للممالك.
عرفنا الممالك والوراثيات العربية والحاكم فيها أب لشعبه حتى إن غضب يعود فيدركه حـُـلمه فيصفح ويتجاوز. وعرفنا الإمارات المجاورة يزور فيها شيخ آل الصباح أو آل نهيان مجالس الأهالي وقد لا يعرفه الناس لفرط تواضع حضوره وامتزاجه بالناس.
 
لكن أنتم ماذا تسمون ما تفعلونه اليوم في هذه الجزيرة، وهل ينتسب هذا للملكيات أم الجمهوريات؟  
عرض الناس على شاشات تليفزيون الدولة، ليشتموا أنفسهم ويقبلوا أحذية النظام الحاكم ويعلنوا توبتهم النصوح وولاءهم لقيادة الزعيم الأوحد أليست عادة جمهورية؟
دخول المراكز الصحية والدكاكين والطلب من العاملين أن يرفعوا على رؤوسهم صور فلان ويقولوا فلان على رأسنا ويبكي بعضهم خوفا، وهم يضحكون في سرهم أليس عادة جمهورية؟
 
الضغط على وزير التربية حتى يسحب البعثات من الطلبة الذين شاركوا في الاحتجاجات أو في أحسن الأحوال مقايضة بقاء البعثات بتطهير كل مؤسسات ومعاهد التربية من المدراء الشيعة بدءا بالجامعة وليس انتهاء بمعهد التدريب أليس تقنية جمهورية أصيلة؟
 
مثلا هشام الزياني الذي كان بالمناسبة في ماضيه شابا لطيفا مفعما بالمحبة والحيوية يكتب في أخبار الخليج عن أفضل نماذج التوب تن من الأغاني الغريبة قبل أن تقتنصه آلة النظام فيصبح ترسا يدور لا يرحم نفسه ولا يرحم غيره يبشرنا كل صباح بزحف زنقة زنقة، أليس كاتبا جمهوريا؟
 الضغط على وزير البلديات بما أنه لم يقم بما يكفي من التطهير الطائفي في وزارته بأن يقايض بقاء الموظفين الشيعة بإقرار تسريح بلديي المعارضة الوفاقية، إما هذا وإما ذاك أليس تكتيكا جمهوريا؟   
تطهير الجمعيات المهنية والأهلية والثقافية من كل نفـَـس معارض وتعيين مجالس جديدة لها من حبابة الخشوم إما بالتعيين أو بالانتخابات الصورية كجمعية حقوق الإنسان وجمعيات الأطباء والأدباء، أليس سيرة جمهورية أصيلة؟
تسريح العمال وموظفي المراكز الوسطى والعليا وشطب الرياضيين على خلفية رأيهم السياسي، أليس سياسة جمهورية؟
منع السفر برا على كل من يشتبه بانتمائه المذهبي حتى لو من خلال اسمه أو لقب جده الخامس عشر، أليس فرمانا جمهوريا؟
إجبار المواطن والمقيم على تعليق صور متر x متر في كل مكان لشخصية فلان، حتى إن بعض الهنود بحسن نية وضع إحداها على دورة مياه المجمع قبل أن يطلب منه رجال الأمن رفعها ويقولوا له "مصختها بيا ، أودر ني منتا" أليس فكاهة جمهورية محزنة؟

أصدق تماما أن الملك وحكومته لا يريدون جمهورية بل ملكية، لكن حزب الوحدة الوطنية الواحد يحكم البلاد اليوم وصور الزعيم الملهم العظيم تتصدر الواجهات، وأزيل الدوار من عالم الفيزياء، وتجري إزالته من عالم الرموز ويتم تغيير أسماء وهويات كل الجمعيات المدنية التي تمثلت فيها المعارضة وتصادر الصور من الهواتف والبيوت ويعتقل الناس بسبب خلفية هواتفهم الخليوية أو حواسيبهم المحمولة ويسمح للكتاب الليبراليين أن ينتقدوا "الرجعية الدينية المتحجرة" بشرط أن تكون شيعية فقط أو أن يحلق الشعراء في مديح ثورات العالم في العراق وتونس ومصر وليبيا - وحتى اليمن – على كراهة -  وبالمقابل يحلقون في مديح رجالات النظام في البحرين ويجبر الموقوفون في الحواجز على شتم زعماء المعارضة والهتاف للزعيم الأوحد.
 
وإذن فالخلاصة يا حكومة ما الذي بقي لم تقوموا به من تطبيقات الجمهوريات؟ وما دمتم قد أصبحتم أكثرنا جمهورية لماذا لا تعلنوها جمهورية وتخلصونا؟ وبذلك تكونوا حققتم آمال أكثر أطراف المعارضة راديكالية من جهة، وطابقتم بين الاسم والممارسة من جهة أخرى فأرضيتم الغرب والشرق وحققتم السعادة في الدارين والله غفور رحيم.
 
*كاتب بحريني

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus