ريم خليفة في شهادة على خالها الراحل علي دويغر: أراد دوما أن يكون طائراً حراً

علي دويغر مع ابنة أخته ريم خليفة في الثمانينات في منزل العائلة بالمنامة
علي دويغر مع ابنة أخته ريم خليفة في الثمانينات في منزل العائلة بالمنامة

2013-09-06 - 6:11 م

مرآة البحرين (خاص): "كان قليل الكلام، حين يجمعه بنا مجلس الرأي، يترك الجميع يستفيضون بما لديهم، ويركن هو إلى زاوية الانصات، ثم يعقب بكلمات قليلة، تكون كافية جداً لجذب الجميع، ولإقناع الجميع، ولتصل إلى قلوب الجميع، كان يمتلك جاذبية غريبة، مدمنٌ للقراءة هو، وحياته مكرّسة من أجل قضية واحدة هي الحرية". الدكتور عبد الرحمن خليفة.

«أريد أن أكون طائراً حراً»، هذه العبارة كثيراً ما أجدني أضعها على صفحتي في تويتر، لقد تعلمتها منه، كان خالي يرددها دائماً، هذا الذي ناضل من أجل الحرية لعقود، ثم ناضل ضد المرض لعقود أخرى، لم يتوقف نضاله ساعة، فالمرض استبداد آخر، والنضال واجب أمام كليهما، لم يحلم بغير الحرية، لقد صار طائراً حراً الآن، لقد عاش حراً أبياً، ومات كذلك" الصحافية ريم عبد الرحمن خليفة. 

إنه المناضل البحريني علي عبدالله دويغر (ولد في 1938)، توفى والده مبكراً، وتربى مع أختيه أنيسة وغالية (والدة ريم) في كنف والدتهم. بدأ نشاطه السياسي في المدرسة الثانوية وأسس أول تنظيم يساري في البحرين عام 1955 باسم "جبهة التحرير الوطني البحراني"، وكان أول اجتماع   نظمه للجبهة في أحد أحياء المنامة القديمة.

"أشعر بالندم أنني بدأت بتوثيق سيرته، ثم توقفت بسبب انشغالي الصحفي اليومي، ولم أكمل تدويني، علاقتي به بدأت منذ الصغر، في بيت خالي الذي هو بيت جدي بالأصل قضيت طفولتي حتى غادرت في 92 لبريطانيا للدراسة، كانت فترة مؤثرة جداً في حياتي، رغم أن خالي كان حينها قد بدأ ينهكه المرض، وبدأت آثار دربه المعجون بين المنافي والاعتقالات والتعذيب تظهر عليه، عاش خليطاً من الأمراض التي لا أعرف لها توصيفاً حينها، لكننا كنا نعرف أنها آثار ما تعرض له من سجن وتعذيب. كان حينها يسير بين العقدين الرابع والخامس من عمره، لكنه قضى قرابة 3 عقود في النضال الذي بدأه منذ كان صبياً في المدرسة الثانوية".

بشكل سري، عمل «دويغر» مستقطبا عددا كبيرا من الشباب، وكانت أدبياته تدعو إلى إقامة دولة ديمقراطية ذات سيادة مستقلة وإلغاء معاهدة الحماية البريطانية وإيجاد حكومة وطنية ديمقراطية تعمل لصالح الشعب ومجالس برلمانية وبلدية منتخبة. "كان دائماً مع خيار المقاومة المدنية ومع العلم. كان يؤمن أن المقاومة المدنية هي الطريق الأفضل نحو الوصول إلى المطالب العادلة والمشروعة" تقول ريم، تضيف:"جاء في وقت لم يكن يُعرف فيه الوطني بمذهبه، بل بنضاله من أجل الحرية والكرامة والعدالة، الوطني أي كان مذهبه لا يحابي ولا يجامل ولا يقبل لنفسه أن يكون مستعبداً ولا يتحرك من أجل ثمن مدفوع، لم يقبل خالي أن يكون غير ذلك فدفع الثمن غالياً، وقد بقى يعلمنا ذلك دوماً".

اعتقل دويغر عدة مرات من بينها في انتفاضة مارس/آذار 1965، التي لعبت فيها الجبهة دورا كبيرا، وقد كان طالبا بكلية التجارة والاقتصاد في جامعة بغداد، قضى في المعتقل 8 أشهر تعرض فيها لأشد أنواع التعذيب، "كان أول من اعتقل في هذه الانتفاضة وآخر من أطلق سراحه، ووضع في سجن انفرادي"، تقول ريم. ثم أُبعد إلى قطر، وقد مثّل البحرين في مؤتمرات ديمقراطية عالمية في براغ وفيينا وقدم بحوثاً ودراسات اقتصادية هامة تتعلق بالبحرين.

المرة الثالثة التي نفي فيها دويغر كانت عام 1968، أمضى فترة في الكويت ثم سافر بعدها إلى السويد العام 1969 وأكمل دراسته وحصل على الدكتوراة في الفلسفة والاقتصاد، ليعود العام 1973 ويستمر في نشاطه السياسي، إذ قرر مع حزبه دخول الانتخابات، وأخذ يعمل بلا كلل ليل نهار ويعقد اجتماعات متواصلة حتى وصفه أصدقاؤه حينها بـ"دينامو الاجتماعات". لكن عيون المخابرات كانت تلاحق دويغر وتتربص به، تم استدعاؤه من قبل جهاز إيان هندرسوت قبل موعد الانتخابات، وأُمر بمغادرة البلاد فوراً، وغادر البحرين عشية الانتخابات عائداً إلى السويد. لكنه حينها كان قد انتهى مع زملائه من إعداد خطة عمل لمجموعة «كتلة الشعب»، وخاضت الجبهة انتخابات المجلس الوطني وفازت بـ 8 مقاعد فيه.

ظلم هذا الرجل مرتين، مرة من قبل نظام استعبادي، لم ينصف عقله ولا فكره ولم يعرف مكانته العلمية ولم يستفد من بحوثه الاقتصادية الهامة التي قدمها داخل البحرين وخارجها، ومرة من خلال المجتمع الذي لم يعرفه ولم يوثق لتاريخه. تقول ريم: "كان ناكراً لذاته، ذائباً في هدفه، أجيال أتت لا تعرف من هو علي دويغر".

المرض بقي نضاله الأطول الذي استغرق العقود الأخيرة من حياته، لكن ذلك لم يمنعه عن أن يكون قريباً من الوضع السياسي ملمّاً بما يدور فيه، "في أشد الأوقات التي تعرضت لها في 2011، وعندما أوشك أن أنهار، كنت أتفاجأ به ملماً بكل ما يدور حولنا من تفاصيل، يقويني بكلماته ويقول لي كوني قوية، لا تنهزمي، اكتبي، اعملي ما أنت مقتنعة به فقط ولو دفعت الثمن، كوني إنسانة مبدئية حرة، أستطيع أن أقول إن والدي وخالي هما من صاغا لي مبادئي التي أحيا عليها وافتخر بها".

كانت عودته الأخيرة إلى البحرين في نهاية السبعينات، ظل يناضل صنوفا مختلفة من المرض حتى عام 2012، عندما داهمه مرض السرطان، فرجع إلى السويد لتلقي العلاج، وبقي هناك مع أسرته حتى توفى صباح اليوم الجمعة 6 سبتمبر 2013 بعد معاناة طويلة، وسيتم دفنه هناك. تقول ريم " ليس أشد ألماً أن يموت الإنسان بعيداً عن وطنه، وأن يدفن في غير أرضه، لكن عائلته صارت هناك الآن، وتريده قريباً منها، وزوجته السويدية كرستينا، كانت نموذجاً فريداً، لقد رافقته في كل محنته الطويلة مع المرض، وكانت تشاطره النضال الذي ما انفك يلازم كل لحظات حياته بصور مختلفة".

هوامش:

 


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus