ورطة الاعتراف

عادل مرزوق - 2011-06-09 - 3:17 م



عادل مرزوق*

هل ذهبت الى الدوار؟ نعم.
هل شاركت في المسيرات وطالبت بإسقاط النظام؟ نعم.
من كنت تريد أن يحكم البحرين بعد سقوط النظام؟ عيسى قاسم.
ومن هو رئيس الوزراء بعد سقوط النظام؟ حسن مشيمع.

أربعة أسئلة رئيسية تطرحها المراكز الأمنية على أغلبية من يتم اعتقالهم في البحرين منذ إعلان حالة السلامة الوطنية حتى اليوم، والإجابات أعلاه – وليست أي إجابة أخرى - هي الإجابات النموذجية التي من المؤمل أن تقي المعتقل التعرض إلى المزيد من الأذى. يستطيع المعتقل أن يرفض الاعتراف، لكنه سيعي جيداً مع درس السؤال الأول أن كلفة الرفض باهضة، فحصيلة الإنكار هي التعرض لثمان وجبات قاسية من التعذيب، لكل سؤال وجبتين، واحدة بعد النفي وأخرى بعد الاعتراف. أما الاعتراف بالاجابات المطلوبة دفعة واحدة فهو ما يؤهله للحصول على وجبة تعذيب واحدة!، ما خلا أن يعتقد المحققون أن المعتقل قد أدلى بهذه الاعترافات حقيقة لا خوفاً من التعذيب، وهنا سيدفع المتهم كلفة الخوف مرتين، ولربما دفع حياته ثمناً لذلك.

هذه هي أحوال المعتقلين في البحرين تحت سيادة القانون واحترام النظام والالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية الذي تدعيه الدولة!، وهذا المشهد البسيط هو أقل ما يمكن أن يحدث، وإلا ففي ما استطاع الناس أن يصوروه من أثار التعذيب على جثة الشهيدين كريم فخراوي وزكريا العشيري وغيرهم، ما يجعلنا أمام فرصة ثمينة لتقديم هذا المقال بمشاهد أكثر فضاعة وقسوة. ولا تجري كل هذا الفضاعات والتجاوزات لأبسط ما اقرته الشرعية الدولية للإنسان من حقوق  إلا تحت مبدأ سيادة القانون الذي أقره ميثاق العمل الوطني والدستور وبروح متوثبة من المشروع الإصلاحي الذي لا يزال مستمراً ليحصد من أرواح الأبرياء أكثر وأكثر!

لا يلام القادة والضباط والجنود وكل من ارتبط بأجهزة الأمن على ما يفعلونه من تجاوزات وتلاعب بالأرواح والممتلكات والأعراض، فالكلفة لن تزيد – في أحسن الظروف وفي حال صدور بيان إدانة دولي كما حدث مع الزميلة الصحافية نزيهة سعيد في مركز الرفاع – عن إعلان وزارة الداخلية عن فتح تحقيق في الحادثة، لننتظر كما ينتظر الناس معرفة أسماء من تجاوز القانون أو حضور محاكماتهم أو معرفة العقوبات الصادرة بحقهم جراء تلك التجاوزات، لكن شيئاً من ذلك لن يحدث، فليس الضحية هنا مواطناً يستحق التحقيق في مقتله أو تعذيبه، وللقاتل حصانة مساندة الدولة في مقاومة مد ولاية الفقيه وأذناب إيران. هذه اللجان الوهمية التي دأبت الدولة على تشكيلها منذ سنوات لم تفلح في الخروج للصفحات الأولى في الصحف المحلية بصورة رجل أمن واحد خالف القانون، فضلاً عن جره لمحاكمة حقيقية أو إلقائه في السجن.

أين لجان التحقيق في مقتل الشهيد علي مشيمع ومن سقط بعده؟ في الحقيقة لا ترى الدولة في علي مشيمع أو عيسى رضي أو احمد فرحان أو علي خضير أو علي المؤمن أو نزيهة سعيد، مواطنين لتحقق في مقتلهم، الأكثر من ذلك، أنها على كامل الاستعداد لإعدام أربعة آخرين في عقوبة مسرحية مقتل الدمية. وهي أيضاً، لا تستحي أن تحاكم 62 % من المواطنين  - وهي نسبة تمثيل المعارضة شعبياً في انتخاب مجلس النواب -في محكامها وقنواتها الإعلامية بتهمة عدم الاعتراف والولاء لها والخيانة!
 
نحن نشهد اليوم خلاصة من الخلاصات الدقيقة في تاريخنا، هذا النظام الذي لا يعترف بنا مواطنين، ولا يجد في قتلنا جريمة، ولا في سلب أموالنا مخالفة، ولا في التحرش بزوجاتنا ونسائنا وأخواتنا وترويع اطفالنا وتجويعنا جناية، يريد منا الاعتراف به، والتصفيق له. بل من المفترض أن نبدي له المحبة والمودة. ولو فعلنا ذلك، هل سيبدو ذلك كافياً ليعترف النظام بنا ولنكون في نظره مواطنين؟لا. فالتاريخ علمنا أن النظام وبتشكيلته الحالية تحت هذا الدستور – المعطل أصلاً – لن يعترف بهذا الشعب، اليوم أو غداً. وأن الحل الحقيقي هو في إقرار ملكية دستورية حقيقية، لا تلاعب فيها، كل يمارس سلطاته في حدوده التي لا يستطيع تجاوزها، بعدها لن يقتل الجيش الشعب، ولن يحدث كل ما حدث، وسيحدث.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus