العنف والثورة ومآلات التغيير

2013-07-28 - 11:47 م

إيمان شمس الدين*

مرت الثورة البحرينية، منذ قيامها إلى يومنا هذا، بمراحل عديدة استخدم فيها النظام كل أنواع العنف والإرهاب الجسدي والفكري والديني ضد الثوار، الذين هم غالبية الشعب البحريني. وكانت الثورة بكل أطيافها تلتزم السلمية كشعار في كل أدواتها التغييرية من مسيرات وندوات وتجمعات واعتصامات، رغم كم الظلم والترهيب الذي استخدمته السلطة ضدهم، إلا أنهم لم يخضعوا للقانون الطبيعي الفيزيائي الذي ينص على أن "لكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه". 

لم تخضع الثورة أبدا لمبدأ ردود الأفعال، بل رسمت استراتيجية حراك هدفها التغيير والإصلاح وآلياتها سلمية،  ومع ذلك لم تلتفت لمطالب الشعب الثائر أي من الدول المحورية في القرار، على مستوى المنطقة أو المستوى الدولي، رغم كل أنواع الشجب والاستنكار الحقوقي الذي صدر عن كثير من المنظمات الحقوقية ضد النظام البحريني، وبقيت الثورة طيلة هذه السنوات بعيدة كل البعد عن واجهة الإعلام العربي والإسلامي، وبعيدة عن اهتمامات جامعة الدول العربية ومنظمة العمل الإسلامي، رغم تصدر ثورات أخرى أولوية الاهتمام عند بعض دول الخليج والدول الكبرى والمحورية في القرار.

وما كان يعتبر حقًا لشعب في الثورة ضد نظام الحكم، بطبيعة الحال، يفترض أن يعتبر حقًا، بنفس المعيار، للشعب البحريني، رغم أن بعض الشعوب لجأت للاستعانة بالخارج كليبيا، وبعضها استخدمت السلاح واستقدمت من الخارج مقاتلين من كافة الدول كسوريا، إلا أن أي من الجامعة العربية، أو مجلس الأمن، أو منظمة العمل الإسلامي، أو أي مؤسسة دولية، أو واجهة إعلامية، لم تسلب حق هؤلاء في الإطاحة بالنظام والمطالبة بالديمقراطية وفق أبجدياتهم لها.

وعندما يأتي الأمر للثورة البحرينية، تنقلب المعايير، وتتوقف التصريحات، وتطفأ الواجهات الإعلامية، وتعطينا المؤسسات الدولية صاحبة القرار والدول المحورية المتصدية للثورات ظهرها، بل تعتبر كأن شيئًا لم يكن في البحرين، رغم كم الانتهاكات التي يرتكبها النظام بحق الشعب البحريني.

إذًا نخلص إلى أن سلمية الحراك لم تقدم للثورة موقفًا واحدًا داعمًا من أي جهة صاحبة قرار، وأما التمنيات والأماني التي يصرح بها بعض المسؤولين والمعنيين الأمريكان، فهي من وجهة نظري لا تعتبر إلا مواقف سياسية تابعة لسياساتها البراغماتية ضمن استراتيجيتها العامة مع شعوب المنطقة، فهي من جهة تدعم وجود النظام، بغضّها الطرف عن مطالب الثوار وعما يقوم به النظام في حقهم من انتهاك، بل تقدم بريطانيا، وفق تقارير، دعمًا أمنيًا، من خلال التدريب والرجال، للأمن البحريني في كيفية قمع الثوار وتعذيبهم وإذلالهم بالتجسس على خصوصياتهم ولي ذراعهم وإسكاتهم.

وبمقارنه بسيطة بين ما تقدمه هذه الدول من دعم حقيقي للمسلحين والجيش الحر في سوريا، وما قدمته لثوار مصر وتونس وليبيا من دعم على كافة الأصعدة، وموقفها من الثورة البحرينية، يتضح مدى براجماتيتها في التعاطي مع هذه الأحداث، فحتى لو جلس السفير الأمريكي مع الجمعيات المعارضة وأبدى رغبته في التحول الديمقراطي في البحرين، فإن ذلك لا يعني أبدًا موقفًا إيجابيا اتجاه الثورة.

فإذا كانت اليوم سلمية الثورة واستمرار سلميتها على مدى ثلاث أعوام، رغم كل البشاعات التي ارتكبت بحق الشعب الثائر من قبل النظام، رغم كل ذلك لم تحدث أثرًا واقعيًا في تغيير قناعات هذه الدول في إلزام النظام البحريني بالتغيير، أو حتى دعم الثورة البحرينية على غرار دعمهم لمثيلاتها في المنطقة، فهل تحول الثورة لمبدأ السلاح والخطف والتفجيرات سيرهب النظام وسيجبر هذه الأنظمة والدول على تحقيق المطالب؟ 

إن أصل الموضوع في اختلاف أنظمة الخليج عن مثيلاتها في المنطقة، كون القرار الدولي الذي تتصدره أمريكا وبعض الدول النافذة معها هو إبعاد منطقة الخليج، التي تعتبر مصدر البترودولار، عن أي توترات داخلية أو تغييرات فجائية تؤدي إلى زعزعة الأمن فيها، لأن المطلوب هو الإبقاء على هذه الأنظمة، كونها موالية لتلك الدول، والإبقاء على حالة الاستقرار لاستمرار تدفق النفط وعدم ارتفاع سعره نتيجة أي تقلبات أمنية تنعكس على اقتصاديات هذه الدول، وبالتالي هي تدعم هذه الأنظمة وتحثها بين الحين والآخر على القيام ببعض الإصلاحات الشكلية، لتخفف من احتقان شعوب هذه المنطقة، وممارسة رعوية تشتري فيها الولاءات بشكل مبطن، وتحفظ فيها استمرارية وجودها في السلطة من خلال تفريق شمل الداخل بطرق عدة منها ادعاء تعرض أمن الدولة لحركات تجسسية خارجية، واتهام المعارضة الداخلية بالتآمر معها، أو اصطناع أعداء وهميين، أو الضرب على الوتر المذهبي ذي السحر الفعال في خندقة الشعوب ضد بعضها البعض.

إذًا المسألة تتعلق غالبا في وعي شعوب منطقة الخليج بأهمية التغيير ووعي حقوقها الواقعية، ووعي دورها كشريك حقيقي في السلطة والقرار، إضافة لخروجها من صندوق المذهبيات والقبليات والولاءات وإعادة بناء منظومة المفاهيم كعلاقة الحاكم بالشعب ودورالشعب في قيام الدولة ونظام الدولة الحديثة.

فالثورة الأولى تحدث في مفاهيم وفكر هذه الشعوب حول الدولة، ومن ثم ثورة تغييرية شاملة تكون البحرين جزءًا منها. فإلى الآن كثير من شعوب منطقة الخليج مغيبة عنهم حقيقة الثورة البحرينية وحقانيتها، وهو ما يعزل الثورة عن حاضنة مهمة وداعمة للتغيير كون حراك الشعوب الواعي يجبر الدول الكبرى على دعمه ومجاراته.

فإذا كانت السلمية لم تغير ولم تحدث الإصلاحات المطلوبة، فهل اللا سلمية ستحقق إرادة الشعب في التغيير؟ 

* كاتبة كويتية.

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus