من يُوهن اقتصادنا؟

علي شريف - 2011-06-04 - 6:00 ص



علي شريف*

في سلسلة من الضغط المتواصل على أبرز رموز المعارضة الشيخ علي سلمان أمين عام جمعية الوفاق، وجهت إليه رسالة عبر مواقع الإنترنت من "مواطن سني" قال إنه تعرض لخسائر فادحة في شركته قدرها بـ 600 ألف دينار بعد أن علقت وألغيت الكثير من مشاريع المقاولات وبعد أن تأثر الاقتصاد البحريني بشدة إثر الأزمة السياسية التي عصفت بالبلاد. أدى ذلك بحسب الرسالة إلى أن تصبح 40 عائلة كانت تسترهم هذه الشركة عرضة لأن يكونوا دون دخل.

من المسلّم، لدى هذا المواطن كما لدى الكثيرين مثله، أن الاحتجاجات الأخيرة، سبب كل هذه الخسائر والمشاكل، ولذلك، ومن باب إلقاء الحجة، خاطب سلمان متسائلاً: "من يتحمل وزري ووزر هؤلاء. هل معنى (هيهات منا الذلة) أن يتجرع غيركم كأس الذلة وأنتم لا؟ لماذا حقكم بالعيش الكريم أقوى من حقي فيه؟ من أعطاكم الحق الإلهي في التحكم بأرزاق الناس؟ ناهيك عن الذين قتلوا والذين فصلوا؟ كم هي سلمية أن تقطع أرزاق الناس؟ كم هي سلمية يا شيخ؟ "

يأتي رواج هذا الفهم، على الرغم من اعتراف الجميع بأن أهداف هذه الاحتجاجات مشروعة ابتداءً، لكن الحوار الذي انتهى نهاية درامية، والاحتكاكات بين قوى الأمن والمتظاهرين، وغلق الشوارع، كلها أعمال أضرت باقتصاد البلاد، وعطّلت مصالح الناس ولم تجلب خيراً بحسب النظام ومواليه.
ماذا فعل النظام إذن ليتجاوز كل هذا الضرر، وليعيد الحياة إلى طبيعتها الآمنة المستقرة؟ ومن ثم يستمر في "مسيرة التنمية" كأن شيئاً لم يكن، ورغما عن أنف المخربين؟
كل ما فعله النظام لتصحيح الأمور، هو أكبر حملة قمع شنها على المتظاهرين، قراهم، شوارعهم، وظائفهم، أرزاقهم، حركتهم، وحتى محل اعتصامهم، الهدف كان بسط الأمن والنظام، والنتيجة هي: اقتصاد على وشك السقوط.

كان النظام يمارس كل هذا رغم أنه يعرف بأنه سيزيد من تراجع الاقتصاد وأوجاعه، وسيطرد رؤوس الأموال ويوهن الضرر بمصالح الناس؟ هل يفض النظام اعتصام المرفأ المالي لكي يعيد الحياة إلى شريان الاقتصاد أم لكي يفض معه عقود المستأجرين؟

الذين تكلموا عن تكاليف الثورات الباهظة على الاقتصاد والمنجزات والمكتسبات، قاسوا كثيرا النمو الاقتصادي في البحرين بغيرها من الدول كمصر وتونس وليبيا واليمن. وحذروا من تغيير في شكل النظام السياسي قد يعرض علاقاته الاقتصادية مع السعودية إلى الخطر، في حين أن الأخيرة تدعمه دعماً مباشراً من مخزونها النفطي.
وذكروا بتجارب ثورات سابقة هدمت أكثر مما بنت، وصار حالها الاقتصادي أسوأ بكثير مما كان، إيران والعراق مثالاً، بل حذروا من التفاؤل كثيراً بما يمكن أن تنجزه ثورات مصر وتونس وغيرها على الصعيد الاقتصادي.

هذا المزاج، لم يكن طاغياً مع بدء تجاوب النظام مع مطالب المحتجين، كانت لغة المطالب هي السائدة، وبحسب تعبير سوسن الشاعر، فإن الاحتجاجات، قد أيقظت "المارد" ليمارس دوراً سياسياً مستقلاً، ولتكون له "مطالب" هو الآخر.

في الفاتح، كان هناك تجمع كبير تحدث في السياسة والاقتصاد، وتكلم عن الرواتب، والمساكن، والقروض، وكل مشاكل المواطن البسيط، رغم أن هذا التجمع كان له من يمثله بشكل واسع في المجلس الوطني، وفي السلطة التنفيذية أيضاً بشكل أو بآخر.
 
ألف دينار لكل عائلة، 50 ألف وحدة سكنية، 20 ألف وظيفة في الداخلية، ومارشال خليجي لدعم اقتصاد البحرين بعشرة مليار دولار، إصلاحات بالجملة، صاحبها اعتراف ببطء وتيرة الإصلاح من قمة الهرم السياسي.

ثم حلقة طويلة خصصتها "الشاعر" عن الفقر في البحرين، أكدت فيها وبشهادة المتصلين، بأن بيننا من يمكن أن يموت جوعاً بسبب أحواله المعيشية، ودعت الدولة إلى احتواء هؤلاء، لأنهم قنابل موقوتة، ولأنهم القوة الدافعة لأية احتجاجات.

أين كانت كل هذه الإصلاحات، ولماذا ظهرت فجأة، وهل هي جادة فعلا؟ كانت تلك هي أسئلة المحتجين التي غابت بعد حالة السلامة الوطنية، كما غابت تلك المشاريع المفاجئة، ولم يعرف مصيرها.

غياب هذه المشاريع عن المشهد، صاحبه خطاب جديد للسلطة التنفيذية، أعلنت  فيه معايير أشد، للحصول على الخدمات والتسهيلات والوظائف من الدولة، قد تكون بمقياس عام للولاء، وقد تكون محددة جدا كأن تكون من المحرق.

مع كل هذه الخطابات، وبعد الوقوف في وجه المخربين والمفدسين، ومع بقاء نواب الموالاة وحيدون في المشهد، وفي موقف أكثر قوة، وبقاء السلطة التنفيذية ممثلة للتيار الموالي، إلا أن من لا زال يشتكي من تردي الاقتصاد، هم مريدو النظام ومواليه.

لكي يضمن النظام للموالين أن لا تقع الدولة في مستنقع صفوي موال لإيران، وأن لا تدمر مكتسبات الوطن، قام بقتل محتجين، وأصاب آخرين ومنعهم من العلاج، أهان واعتقل أطباء ومدرسين ومهندسين وتقنيين ومحامين وتجار وصحفيين، احتل الشوارع، والقرى، والأحياء، وأقام نقاط التفتيش، وحاصر الناس في منازلهم. اعتقل المارة في الشارع، وداهم منازل الآمنين، روع أطفالهم، وتحرش بنسائهم، وجرهم للسجون.

شهران ونصف من حالة حرب في شكل قانون السلامة الوطنية، يذهب فيها الموظفون لأعمالهم ولا يرجعون، ويستوقف فيها كل رائح وغاد دون أدنى مسوّغ، ويخرج فيها المعتقلون من السجون وعلامات التعذيب على وجوههم، وتنتهك فيها حقوق الإنسان نهاراً جهاراً في الشوراع العامة.

احتلت فيها المستشفيات، وغيرت هياكلها، وعذب مرضاها، واعتقل كوادرها. اقتحمت المدارس والجامعات والشركات والمصانع ليعتقل كوادرها وهم على رأس العمل، وقطعت أرزاق أكثر من 1500 عائلة، بفصل معيليهم، وكانت قوات مسلحة ملثمة تختطف، وتعتقل، وتقتل، وتواجه أي مجموعة تتظاهر في الأزقة والطرقات، في حين تملأ دبابات النظام ومدرعاته ساحات وشوارع في العاصمة وغيرها.

كل هذا ليس فساداً، ولا يجب أن يؤثر في الاقتصاد! أو ربما هو أمر لا بد منه، حتى لا تضيع البلد، على يد المفسدين في الأرض.
في النهاية، يستمر صاحب الرسالة، بالتباكي، والتشكّي، لدى علي سلمان: "يا شيخ- هل حققت مرادك؟ وهل كانت التضحيات تستاهل كل الذي جرى؟ لقد ضحيت بالبلد كاملة يا شيخ، ألا تدرك ذلك؟ أتنام قرير العين ياشيخ؟ والله لو كنت مكانك ماأغمضت لي عين"

* كاتب بحريني

التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus