من أحرج ولي العهد؟

عادل مرزوق - 2011-06-02 - 4:25 م




عادل مرزوق*

هو ملف من أكثر الملفات تعقيداً في الموضوعة البحرينية التي لا تزال مفتوحة لفضاء التوقعات والمراهنات، الصغيرة منها والكبيرة. وهو ملف - وإن كان محكوم بالكثير من الشائعات والإطلاقات التي لا تستند لدليل أو حجة - يرتبط بشكل وثيق بما ستنتهي له الحوادث والمتغيرات التي عصفت بالبحرين منذ الرابع عشر من فبراير الماضي. فترتيب مؤسسة الحكم – في أي نموذج - وتوازن القوى فيها هو عامل رئيسي في تحديد خيارات تقدم الدولة ورصد وتوقع التغييرات التي قد تطرأ عليها.

الوصفة الجاهزة والتي تدعم تفاصيلها حادثة تاريخية–الخلاف بين مجلس الوزراء ومجلس التنمية الاقتصادية الذي تبادل الملك وولي العهد الرسائل حولها ليعلنا تحجيم بدء مرحلة تحجيم رئيس الوزراء ودوره في الدولة – هي أن صراع مراكز القوى في الدولة مرهون بثلاث رؤوس أو مراكز للقوة والنفوذ، سلطة رئيس الوزراء وما يمتلكه من نفوذ اقتصادي في الدولة، وما يمثله ايضاً من رمزية قارة وثابتة في الأسرة الحاكمة أولاً، وثانياً ولي العهد، ذلك الأمير المنفتح الذي بدأ مع مشروع الملك الإصلاحي في طرح مشروعه لبحرين المستقبل عبر ورقته الأهم وهي رؤية البحرين الاقتصادية 2030 ليزاحم رئيس الوزراء سلطة اتخاذ القرار عبر حكومة الظل التي أسند ولي العهد مهام إداراتها لرئيس وزراء حكومة الظل الشيخ محمد بن عيسى آل خليفة الرئيس التنفيذي لمجلس التنمية الاقتصادية. وتأتي السلطة الثالثة في طابعها الأبوي والراعي للسلطتين حين يديرها الملك نفسه في صورتها الأولى،  وتنكشف صورتها الثانية حين يمسك وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن احمد آل خليفة وأقرباؤه بزمام الأمور - باسم الملك – لتظهر في صورة أخرى، صورة يعرفها القريبون من المشهد السياسي في البحرين بدقة.

يذهب البعض إلى تصور صراع دائم بين هذه الأقطاب الثلاثة، وذهبت بعض المبالغات في تصوير هذه الخلافات إلى القول بأن ولي العهد مع بدء العمليات العسكرية وإعلان حالة الطوارئ في البلاد، كان تحت الإقامة الجبرية. وهو قول لا يستند لدليل . ولعله هذا الاعتقاد أو القول أو الخبر المفبرك من جانب المعارضة (كما أعتقد) إنما هو محاولة (مكشوفة) لصناعة رمزية إيجابية خاصة لولي العهد في المشهد السياسي البحريني، رمزية ترتكز على دعوته للحوار وإنهائه للحملة العسكرية الأولى على دوار اللؤلؤة وسماحة للمعتصمين بالبقاء فيه، فيكون ولي العهد وجناحه هو الرهان الذي يستطيع الشعب أن يثق به وأن يمضي معه في خطى الإصلاح السياسي المأمول، وتكون سلطتا الملك ورئيس الوزراء السلطتين اللتين تتحملان مسؤولية ما يحدث في الشارع من سفك للدماء وتجاوز لكل ما نصت عليه مواثيق ومعاهدات حقوق الإنسان. وفي الحقيقة، تميل رسائل السفير الأمريكي آدم ايرلي ومن سبقه للإدارة الأمريكية - كما كشفت وثائق ويكليكس - إلى مثل هذا الاعتقاد، خصوصاً تلك الرسائل التي حملت تسويقاً مميزاً لولي العهد في واشنطن قبالة الاستياء الذي حملته الرسائل نفسها عن رئيس الوزراء وسلطة الديوان الملكي الممثلة في وزير الديوان الملكي الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة.

وقبالة هذا الاتجاه، يرى اتجاه آخر أن الخلافات والاختلافات الدائرة في مؤسسة الحكم لا تزيد عن اختلافات عادية من الممكن أن تحدث في كل مكان، وفي أي مؤسسة حكم كلاسيكية. وأن القرارات المصيرية للبلاد لا تتخذ إلا عبر مؤسسة مجلس العائلة الحاكمة. وأن الحديث عن الخلافات في مؤسسة الحكم مجرد أوهام ومحاولات يائسة من جانب المعارضة لتحقيق بعض المكاسب السياسية. وفي هذا الإطار وجاهة لا ينفيها أحد، لولا سيل الأدلة التي تسوقها الأحداث لتؤكد هذه الخلافات التي قد تضمر في بعض الأحايين، وتنشط في آحايين أخرى.

ورغم ذلك، ودون معالجة الموضوع بحزمة الشائعات التي لا تستند لدليل، لا شك أن ثمة اختلافات وخلافات جوهرية في مؤسسة الحكم في البحرين خصوصاً مع أحداث 14 فبراير، ليس أقلها خروج الوزير السابق  مجيد العلوي والشيخ محمد بن عيسى من مبنى جمعية الوفاق وقبل ساعات من التدخل العسكري، لينقلا رسالة ولي العهد للجمعيات السياسية وطلبه منها إعلان قبول الحوار دون شروط وفي نفس الليلة، فتلك الضمانة الوحيدة في أن يبقى ولي العهد الممسك بالمشهد. وليس أكثرها ما تبع ذلك من غياب ولي العهد عن المشهد السياسي، ليعلو صوت رئيس الوزراء مجدداً.

في الحقيقة لم يكن رئيس الوزراء تحديداً من أسقط ورقة الحوار ليبدأ الحل العسكري، أو لعله لم يكن الوحيد المسؤول الوحيد عن ذلك، فالقوى المتشددة في ديوان الملك وجناح الشيخ خالد بن أحمد تحديداً من كانوا في الصف الأول. وليس خروج رئيس الوزراء للصحافة كل يوم بعد سحب الملف من ديوان ولي العهد إلا ردة فعل لرجل كان يعيش أياماً من الإحباط وتوقع الإقالة لولا توافق رغبته – وللمرة الأولى منذ العام 2001 – من رغبة الجناح المتشدد في الديوان الملكي، كان رئيس الوزراء خارج إطار صنع القرار طوال مراحل الأزمة، بل أن ديوان رئيس الوزراء لم يكن يعلم بقرارات الدولة وتصريحات ولي العهد ومواقفه أو حتى بنود الحوار التي قدمها ولي العهد والتي تشي بإقالة رئيس الوزراء إلا من خلال الصحافة المحلية.

وفي يوم السادس عشر من مارس - بدء عملية الهجوم على دوار اللؤلؤة ومستشفى السلمانية والمدن والقرى الشيعية - تحديداً، وجد ولي العهد نفسه أمام مسرح سياسي معقد، فالديوان الملكي وديوان رئيس الوزراء سحبا بساط إدارة العملية من ديوانه، والمعارضة غير متعاونة بما فيه الكفاية مع رسله الذين توافدوا لمقر جمعية الوفاق أكثر من مرة.
وباتت ورقة العنف، مضافاَ لها بروباجندا تجمع الوحدة الوطنية وخطابات التحريض والتحشيد الطائفي التي قادها الشيخ عبداللطيف المحمود الذي خرج من إقامته الجبرية (الرمزية) ليلعب أسوأ دور له في تاريخه السياسي قاطبة. وباتت حركة البلطجية – أفراد وزارة الداخلية المدنيين الذين هاجموا القرى -، باتت كلها أسبابا وجيهة ليغادر ولي العهد المشهد السياسي الى حين، لتتسلمه القوى الأخرى مدعمة بغطاء خليجي ترأسه السعودية والإمارات، وتجامل فيه الكويت وعمان، وتتحفظ عليه قطر من تحت الطاولة.

قواعد اللعبة تغيرت، وسلطة وهيلمان الشيخ خالد بن أحمد آل خليفة الذي كان يفرض التوازن بين مركزي القوة (ولي العهد ورئيس الوزراء) مع تمرير مبطن لمصالحه الخاصة عبر تمكين جماعة الإخوان المسلمين والسلفيين من مفاصل الدولة ومراكز القوى فيها، باتت سلطته متوافقة وما يحبه رئيس الوزراء ويريده. فكان ما كان، ووقع ما وقع. وليس المهم في هذا السياق السؤال، ما إذا كان التدخل الخليجي قد أتى طواعية أو أن طرفاً من أطراف الشراكة والتفاهم الجديد قد استدعاه استدعاءً، فالنتيجة واحدة.

سيلقي هذا الخلاف والاختلاف في مؤسسة الحكم بظلاله وتعقيداته على الحوار، وقته، أطرافه، أفاقه، وتفاصيل النتائج المتوقعة منه. والأكثر من ذلك، أن كل طرف من هذه الأطراف يريد أن ما يكفي من الضمانات في أن لا تؤثر نتائج الحوار والمتغيرات المقبلة على تخوم سلطته ومراكز قوته في الدولة. يريد رئيس الوزراء أن يبقى في كرسيه، وأن يقلم أظافر مجلس التنمية الاقتصادية وجميع مؤسسات ولي العهد. ويريد ولي العهد بعد أن بدء العودة تدريجياً للمشهد بإملاءات أمريكية وبريطانية واضحة أن يتخلص من إرث تاريخي بات يهدد مملكته المقبلة. ويريد الشيخ خالد بن أحمد أن يمد أذرعه وأذرع عائلته وحلفاءه في مفاصل الدولة أكثر وأكثر. وأمام كل هذه الطموحات المتضاربة والمتصارعة يريد الملك ان يعيد لاسمه ولاسم مشروعه الإصلاحي بريقه الذي زال وانعدم.

والأهم من كل هذا، هو أن نسأل: أي مكاسب حقيقية ستبقى للشعب حين يحصل كل طرف من أطراف مؤسسة الحكم على ضماناته التي ذكرناها؟! الجواب: لا شيء. فعلى سلطتين من هذه السلطات الثلاث المتصارعة أن ترحل من المشهد، لأن حصتهما هي في الحقيقة المكاسب التي قد تعيد للشارع هدوءه وقبوله. ومثل هذا القرار لا يزال في الصافرية مجمداً.

وخلاف كل هذه الحسابات والتعقيدات، فإن الشعب بمكوناته الحقيقية لاعب مهم في المشهد، وليس خفياً أن أدنى الطموحات التي لا يزال الشارع يترقبها من الحكم هي شراكة ولي العهد، وليس غيره. وقد يكون الإطلاق الدقيق لتوصيف الشارع البحريني اليوم حالة وطموحاً وربما قراراً: لم يعد شيء في أيدينا لنخسره، ولم يعد في يد الدولة شيء لتفعله أكثر مما فعلت. فليكن الإصلاح حقيقياً وجذرياً، أو فليبقَ الحال على  ما هو عليه. فالشعوب تقتل وتتضرر وتعذب وتتعب وتتألم، لكنها في النهاية لا تنتهي، ولا تخسر.

*كاتب بحريني


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus