سلمية المعارضة البحرينية

إيمان شمس الدين - 2011-06-02 - 1:48 م



إيمان شمس الدين*

 

المتتبع للثورات العربية اليوم يلحظ ماذا حققت الحراكات السلمية المطالبة للتغيير والاصلاح، وماذا كانت نتيجة العنف الذي غير مسار المطالبات الاصلاحية إلى منحى آخر تحولت فيه أولويات الاصلاح إلى أولويات انتقام واقتتال.

ولعل أبرز هذه الثورات والحراكات هي الثورة البحرينية، فرغم نجاح كل من الثورتين التونسية والمصرية إلا أن ما ميز الثورة البحرينية هو التزامها بالسلمية رغم كل محاولات مذهبة الحراك، ومن ثم الانقضاض عليه بطريقة عنيفة متشددة وصلت إلى أعلى قمة الاستفزاز وهي هتك الاعراض.

ولا ننكر أنه في الثورات الاخرى سقط ضحايا ومورس عنف، إلا أنها استطاعت في النهاية أن تحقق الهدف في تغيير النظام الفاسد، ولكن في البحرين لخصوصية موقع الدولة وما تملكه من ثروات هي محط أطماع الدول الكبرى، بدأ الحراك سلميا واستمر سلميا رغم كل ممارسات العنف والقمع التي مورست ضد الثائرين.

فلجوء المعارضة البحرينية إلى توثيق الأحداث بالصوت والصورة ومن ثم التوجه إلى المؤسسات الحقوقية التي تعنى بالشأن الحقوقي في الغرب وإلى مؤسسات المجتمع المدني واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي من قبل الحقوقيين والمعارضين بل تحول كل فرد في البحرين يمتلك أدوات التكنولوجيا إلى وسيلة أعلامية متنقلة وترسيخ ثقافة الاحتكام للقانون والقضاء، كان له أثر كبير رغم الخسائر الفادحة في الضغط على الحكومات الغربية وأمريكا، كي تتخذ موقفا خلاف إرادتها السياسية التي تحافظ فيها على مصالحها في المنطقة، لتغليب جناح الحوار في البحرين على جناح العنف.

بل إن إصرار المعارضة البحرينية على المطالب وأخذ الحقوق ضمن قنوات القانون والقضاء وعدم اللجوء للعنف والاقتتال الداخلي واستمرارها في برنامجها بعد انتهاء حالة السلامة الوطنية، لهو دليل صارخ على إرادة التغيير والاصلاح، لقيام دولة مدنية لادينية، يحكمها القانون والمؤسسات يكون فيها للشعب كلمته من خلال برلمان يمتلك كامل الصلاحيات في المراقبة والتشريع.

ويحول البحرين إلى ملكية دستورية تقدم نموذجا رائدا في الممارسة الديموقراطية، قد تتفوق به حتى على الكويت التي كانت السباقة في هذه التجربة، بل نموذجا في التعايش بين أطياف وإيديولوجيات مختلفة ومتعددة تحت مظلة وطن يحكمه الدستور تكون فيه الغلبة للكفاءة، وتحكم أطره القانون دون تمييز، بل يعمد إلى فصل السلطات بما يحفظ استقلالها.

فالمعارضة البحرينية اليوم تقدم نموذجا صالحا في المعارضة السلمية التي تستخدم أدوات العصر في إرادة التغيير والاصلاح، وبما يتناسب مع مقومات هذه الدولة ومكوناتها وظروفها وأطرها التي تحكمها، لأن استنساخ أي تجربة معارضة ومن ثم تطبيقها بكلها وكلكلها دون الاخذ بالحسبان  الاختلافات الجوهرية بين بلد وآخر، لهو سبب وجيه في فشل الحراك نحو التغيير، ولكن الاستفادة من تجارب الآخرين بما يتناسب مع ظروف وحيثيات الداخل هو الذي يثري التجربة ويرشد الحراك ويحقق الاهداف في الاصلاح والتغيير، وهذا ما قامت به المعارضة البحرينية التي أصرت على الصبر والسلمية رغم شدة التعسف والتنكيل إلى أن استطاعت فعليا من خلال حراكها الحقوقي والقانوني الدولي أن تحقق خطوات مهمة في طريق تحقيق المطالب وإعادة النصاب لمبدأ الحوار الذي تم طرحه في بدايات الحراك المطلبي.

ولكن نأمل أن تستكمل المعارضة حراكها وتصر على صبرها واستمرار صمودها السلمي، حتى تحقق مطلبها في قيام ملكية دستورية وتحت شعار إصلاح النظام، خاصة أن هناك جهات ومحاور ترفض أن تنجح المعارضة البحرينية في تقديم نموذج في الحراك السلمي يمكن الاستفادة منه والاقتداء به في عالم التغيير العربي والخليجي خاصة من قبل شعوب المنطقة بما يعتبره البعض تهديدا للوجود والكينونة.

 

يمكنكم التواصل مع الكاتبة على:

Chamseddin72@gmail.com

* كاتبة كويتية


التعليقات
التعليقات المنشورة لا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع

comments powered by Disqus